من سكرة الشاطئ إلى مناسك الحج!!
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
في منتصف الصيف أو أواخره يغتسل الخليجيون من "إثم" زيارات مدن "الكفار" أو من ممارسة بعض الكفر بالاتجاه صوب مكة، فهذا موسم الحج، إذاً لنخلع الشورت والملابس المختصرة جدا والمايوهات وغيرها، ولنستر الجسد نفسه بالملابس البيضاء النقية ونتحول من الملاهي الليلية إلى السهر في التعبد وترتيل القرآن في الحرم المكي. تبدو الصورة طبيعية جداً للكثيرين، حتى أن القليل من الممارسين نفسهم لهذه الازدواجية المرضية بعض الشيء يتحدثون عنها بشكل من البساطة المتناهية، حتى يخيل لك أنك تستمع إلى فيلم بوليوودي رخيص عندما يسقط البطل من السماء لينقذ البطلة من أيدي عصابة الأشرار فيصفق الجمهور المسكين فرحا بهذه القدرات التي تفوق قدرات البشرية! يعود بعضهم سريعا من شواطئ كانت لا تعرف النوم إلا عند ساعات الصباح الأولى من الجزر اليونانية أو الريفيرا الفرنسية أو الإيطالية إلى أوطانهم لسويعات حتى ينتقلوا من طقوس الإجازة والتماهي بالسياح الآخرين، إلى طقوس العبادة والخشوع وتغطية الجسد "العورة" والشعر أيضا هو الآخر موضع نقاش مطول في أوطان كثر فيها الجوع والفقر والبطالة بين أكثر فئات الشباب. فيبدو أن أولوياتنا الآن هي: هل الحجاب فرض على كل مسلمة، وحديث مطول عن الثواب والعقاب؟ لا بأس إذاً في مثل هذه الأجواء والناس بمجملها مغيبة في بحور الحوارات السطحية والغوص في فهم دخول المنزل بالرجل اليمنى، فيما ترسم خرائط مستقبلهم على رمال الصحراء، وتنتشر القواعد العسكرية وتقترب منهم البوارج، وتمتلئ سماؤهم التي لم تكن سوى سكن للنجوم الهادئة والحالمة، تتحول إلى مساحات مفتوحة للطيران الحربي القادم من كل حدب وصوب، ومع كل ذلك ينغمس الجميع في فعل ما يبدو- أو ما فسره لهم ذاك الشيخ الذي لم يتعدّ في علمه ومعرفته الابتدائية– شكلاً من أشكال الكفر لبعض الوقت الذي يمحوه بالطواف حول الكعبة والاستغفار، أليس الله غفورا رحيما؟! إذاً فهو قادر على أن يمحو كل تلك المعاصي المظهرية البحتة فيما الحديث عن المعاصي الحقيقية لا يقترب منه أحدهم لأن فيه مساً بالهامات الكبرى وأولي الأمر!! مرحى للقادمين من شواطئ لازوردية إلى رحاب الحج ليغتسلوا ثم يعيدوا ارتكاب المعاصي حتى موعد الحج القادم، هذه الازدواجية القاتلة التي ستتحول يوماً ربما إلى مادة للكتب المدرسية حول تاريخ كان لأشباه مدن وأشباه دول وأشباه شعوب. * ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.