أخي وزميلي العزيز المفكر القطري عبد العزيز الخاطر، كتب مقالاً نوعياً متميزاً أثار أشجاناً دفينة، وجدلاً مثمراً، بعنوان: من سرق الفكرة القومية؟ نشرته الوطن القطرية 15 أغسطس 2018، يبدي كاتبنا الفاضل بالغ انزعاجه كونه لاحظ أن الأجيال الجديدة تصب جام غضبها على مجرد ذكر الفكرة القومية.يرى باحثنا أن مرجع غضب الشباب من الفكرة القومية يعود إلى الآتي:
1 - أن الأجيال الجديدة لا تدرك الفرق بين الفكرة القومية التي بمثابة رافع اجتماعي تحتاجه الأمة اليوم، والمشروع السياسي القومي، الذي تحول إلى أيديولوجيا مغلقة. 2 - إن مسؤولية الخلط بين الفكرة القومية والمشروع السياسي، تتحملها النخب السياسية والثقافية، وهي الملومة لأنها "شوّشت" عقول الشباب الذين صبوا جام غضبهم على الفكرة بدلاً من المشروع. 3 - أن الفكرة القومية سُرقت مرتين: مرة من قبل السياسيين الذين حولوها من فكرة اجتماعية إلى فكرة سياسية مغلقة، والأخرى من قبل العسكر الذين حولوها من فكرة اجتماعية إلى أداة للسلطة وامتلاكها، هاتان الفئتان استولتا على الفكرة القومية، واحتكرتا تفسيرها، كما استولت الفرق الدينية على الدين واحتكرت تفسيره والتعبير عنه دون غيرها.4 - ومع كل أخطاء المشروع القومي إلا أنها يجب ألا تخفي جوهرية الفكرة القومية، فهي حتمية لتجاوز سقوطنا المدوي الذي نعايشه اليوم، بكل أسى وحزن. 5 - يؤكد باحثنا أنه لا بديل عن الوعي بفكرة القومية العربية للنهوض، ولن تنقذنا المشاريع الخارجية. 6 - يذهب كاتبنا إلى أن الفكرة القومية، لو كانت واضحة في أذهاننا، كفكرة اجتماعية، تعبر عن مصالح المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج، وبحسب التصور النهضوي لآبائها، في نقد الاستبداد، والانخراط في العصر، والدفاع عن المرأة وغير ذلك من التطلعات التي تضع هذه الأمة على طريق المستقبل، لتجاوزنا الكثير من النزاعات المعوقة، والصراعات المفرقة.7 - ينتهي الكاتب الفاضل إلى ضرورة العودة إلى أصل فكرة القومية (الاجتماعي) كأساس راسخ، يعلو كل الخلافات والصراعات السياسية العربية، ولذلك: الحاجة ملحة إلى مؤتمر على غرار مؤتمر ويستفاليا في 1648 الذي أقر بمصالح دول أوروبا القومية، فوق خلافاتها السياسية والدينية، لتخرج دولاً وطنية وديمقراطية بعد ذلك. هذه أبرز النقاط في مقال كاتبنا المتميز، والذي أقرأ له باستمرار، وأفيد من آرائه وأفكاره، ومع اتفاقي معه حول ضرورة التفرقة بين الفكرة القومية ومشروعها السياسي، وأن أخطاء، بل خطايا الممارسات، ليست مسوغة للكفر بالفكرة القومية، إلا أنها، في حد ذاتها، وبعد قرنين من نشأتها وتبلورها، بحاجة إلى مزيد من المراجعات النقدية المستوعبة للتغييرات التي مرت وتمر بها المجتمعات العربية والمجتمعات المعاصرة في ضوء المد العولمي العابر لحواجز الهوية والجغرافيا، مثل كل المفاهيم والمبادئ التي نادى بها رواد النهضة الأول وعلى امتداد عقود طويلة، ثم أثبتت التجارب وتحديات الواقع والتغييرات السريعة، أنها بحاجة إلى مخارج وحلول جديدة منفتحة على الوقائع والأحداث؛ على سبيل المثال: حصلت تصدعات سياسية وأيديولوجية أصابت أفكاراً ونظماً ومشاريع ظن أهلها أنها ثوابت لن تبيد أبداً، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولذلك فإننا بحاجة إلى خطاب عربي جديد، وإلى نقد الخطاب القومي السائد، الذي سبق أن نقده كاتبنا نفسه في مقالة قديمة، بقوله "وبقينا نحن نختزل الأمة في رجل، والنصر في زعيم، والحقيقة في فكر واحد". (الشرق القطرية 2001/10/10). وبهذا المعنى، عزيزي الكاتب، أجيب عن سؤالك: من سرق الفكرة القومية؟ لقد سرقها الزعيم البطل، والقائد الملهم، ولكن برضانا جميعاً: حكوماتنا ومجتمعاتنا بكل قطاعاتها ورموزها السياسية والثقافية والدينية، وسرنا وراءه هاتفين بالروح والدم، مع أن القرآن الكريم حذرنا قبل 14 قرناً من هذه العاقبة، حين قال عن فرعون "فاستخف قومه فأطاعوه"، بهذه الكيفية الرضائية تمت السرقة. إن من أولى المراجعات الواجبة للفكر القومي تصحيح الموقف من الدولة الوطنية القطرية، بإعادة الاعتبار لمفهومها، فمفهوم الوطن سابق على مفهوم القومية، وتفكيك الطرح الأيديولوجي المشوه لقيامها، وهجر بكائيات سايكس بيكو، والكف عن ذمها واعتبارها مواريث استعمارية يجب تجاوزها إلى الحلم الوحدوي القومي، كفانا أحلاماً انقلبت كوارث. * كاتب قطري
مقالات
كيف سرقت الفكرة القومية؟!
20-08-2018