«الخلطة السحرية»
يصعب عليّ تصور تحول الكويت إلى مركز عالمي دون الحاجة إلى انفتاح قوي على العالم ودون بعض القبول بالمختلف عن طبيعة المجتمع، ولكن أينما يصل بنا التشريع الرامي إلى الانفتاح أو المناهض له، فإنه يجب أن يصل بالنقاش المدني المنطقي.
![د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/991_1667658654.jpg)
في رأيي تقدم الولايات المتحدة مثالاً مجتمعيا قريباً لحد ما من مجتمعنا، مواطنون محافظون بشكل كبير ومجتمع على درجة مرتفعة من التدين (على الرغم من الظاهر المختلف في إعلامهم)، مقابل دولة تجتهد في إظهار مدنية تحررية وحياد تشريعي أمام العالم أجمع. من الملاحظ أن هناك اختلافا تشريعيا بين الولايات الأميركية ذاتها، مثلاً في تحديد العمر المسموح به لتناول الكحول أو إباحة الماريغوانا أو تشريع حكم الإعدام. ينبع هذا الاختلاف من تقييم مجتمعي لطبيعة كل ولاية ومدى تقبلها للقانون المقر، ففي النهاية المشرع الفذ هو ذاك الذي يشرع وهو أولاً يعلم إمكانية تنفيذ تشريعه، وثانياً إمكانية حماية المُشَرع للناس جسدياً ومعنوياً. مربط الفرس هو أنه وعلى الرغم من تدين الدولة الأميركية، فإنها تحاول جادة، على الأقل لما قبل الزمن الترامبي، الابتعاد عن التفسير الديني أو الأخلاقي للتشريع باعتبار الدين والأخلاق أموراً خاصة تلتزم بمسؤوليتها العائلة لا الدولة. وفي حين أنني أميل دوماً لتوسعة مساحة الحرية تشريعياً لا تضييقها، إلا أنني سأكون مستمعة جيدة وربما متحمسة لكل الحجج المنطقية المدنية العلمية لمنع الكحول في الكويت، وهناك الكثير مما يمكن البناء عليه علمياً ونفسياً وعضوياً ومجتمعياً في جانب المنع، لكن يبقى أن المنطق الذي يجب بناء المنع أو الإباحة عليه يجب ألا يكون شخصياً أو دينياً أو أخلاقياً خالصاً. شخصياً مثلاً لا أحب مساحيق التجميل كثيراً وكثيراً ما تستفزني رؤية المبالغة في استخدامها، حيث أحاول قدر الإمكان لفت نظر صغيراتي إلى البعد السلبي لاستخدامها صحياً وفكرياً، إلا أنه لم يخطر في بالي ذات يوم أن أطالب بقانون يحد أو يمنع مساحيق التجميل، رغم توافر الحجة الدينية والأخلاقية التي يسهل استخدامها للي ذراع الحوار، ليس هذا من حقي وليس هو ديدن الحوار المفترض في الدولة المدنية. وتبقى مسؤولية إيصال الفكرة الأخلاقية حول الموضوع لصغيراتي مسؤوليتي أنا لا مسؤولية الحكومة ولا القانون. يصعب عليّ تصور تحول الكويت إلى مركز عالمي دون الحاجة إلى انفتاح قوي على العالم ودون بعض القبول بالمختلف عن طبيعة المجتمع، ولكن أينما يصل بنا التشريع الرامي إلى الانفتاح أو المناهض له، فإنه يجب أن يصل بالنقاش المدني المنطقي، نعم محملاً بطبيعة المجتمع وعاداته وأديانه وتركيباته المختلفة، ولكن ليس بناءً كاملاً عليها ولا اعتماداً مطلقاً على دين أو قاعدة أخلاقية لأغلبية فيها، فإن حدث ذلك، ساعتها لن تكون تلك دولة مدنية، ستكون دولة دينية، أو تكون خلطة غريبة متوترة طول الوقت، كما هي خلطتنا الكويتية.
المشرع في الدولة المدنية يفترض أن يتفادى التشريع المباشر على أساس الأديان والعادات والتقاليد