ليس فوق القانون
المسألة محسومة منذ زمن ممتد في عمق تاريخ أنظمة الحكم العربي، فالحاكم فوق القانون وفوق الدولة، وما يقوله هو القانون. هذا النظام الظالم مازال يتمثل مقولة لويس الرابع عشر "أنا الدولة"، ولا فرق بين النظام الحاكم والدولة، لكن ماذا عن الرئيس ترامب؟ هل هو فوق القانون، وفوق الدولة! في افتتاحية "الإيكونوميست"، وبصورة ترامب على الغلاف، تسأل الصحيفة: هل ترامب فوق القانون؟! سؤال يطرح نفسه، بعد إدانة مدير حملته الانتخابية السابق بول مانفورت في قضايا تتعلق بالضرائب وتبديد أموال الحملة والإثراء غير المشروع (وهي جرائم نجدها ونسمع عنها في نصوص قوانيننا، ولكن لا مكان لها على أرض الواقع، وهو واقع السلطة لا أكثر)، وأيضاً بعد اتهامات وجهت لمحاميه السابق كوهن، الذي كان من مهامه القانونية "تضبيط الأمور لترامب"، فهذا دفع أموالاً "هش موني"، نيابة عن الرئيس، لفتاتين عاشرهما ترامب، مقابل ضمان سكوتهما، أثناء الحملة الانتخابية للرئيس، تروي صحيفة نيويورك تايمز أن ترامب عاشر إحدى الفتاتين بعد ولادة ابنه الوحيد مباشرة من زوجته ميلانيا، للتدليل على "القيم الأخلاقية العالية" للرئيس!
هل يمكن مساءلة الرئيس ترامب؟ وهل هو فوق القانون؟ من ناحية، ومن ناحية أخرى: هل الرئيس يعد مسؤولاً عن تجاوزات مساعديه أو الحلقة التي تلتف حوله؟! مثل هذا التساؤل يثير السخرية، خصوصاً في أنظمة حكمنا العربية، بأن بعض الحكام في الأساس خيرون، ولكن "لولا" حلقات المستشارين الفاسدين التي تلتف حولهم، وكأن هؤلاء المستشارين والقياديين وغيرهم من جماعات الانتهازية واستغلال النفوذ هبطوا من السماء، وبمحض الصدفة، ولم يخترهم الحاكم ذاته، وكان معيار فسادهم الأخلاقي هو شهادتهم العليا للمنصب السامي!لنعد لترامب، الرأي هو أن الرئيس فوق المساءلة القانونية، حسب الدستور الأميركي، وإن كان ثمة مساءلة فهي سياسية فقط، يحركها الكونغرس، والمهيمن عليه الآن بشقيه هو الحزب الجمهوري، الذي أصبح ملحقاً لترامب، وحتى شهر نوفمبر القادم موعد الانتخابات النصفية للبرلمان تضحي المساءلة القانونية أمراً بعيداً، وهناك سوابق تاريخية من أندرو جاكسون إلى كلينتون؛ أما نيكسون، فقد أجبر "سياسياً" على الاستقالة، بعد فضيحة "ووترغيت". السؤال الآن: هل القانون هو مجرد تلك النصوص الدستورية، كما هي الحال في المادة الأولى للدستور الأميركي، أو الجزائية لا غير؟! لنفهم القانون بمعنى أوسع وأكثر شمولاً، كأن نحسب الوعي العام والقيم الأخلاقية التي تحرك المسؤولية السياسية تدخل ضمن "المعايير" التي تضبط سير الإدارة السياسية، وبالتالي فاحتمال مساءلة الرئيس ستكون كبيرة متى مارس النواب الجمهوريون قليلاً من الخجل في سلوك رئيس الدولة، ويبقى المعيار الثابت بأن السلطة تحد من السلطة، وأن في دول المؤسسات المستقرة وفصل السلطات لا يمكن للحاكم أن يقول "أنا الدولة والدولة أنا"، أما عندنا في نظامنا العربي، فالحاكم هو أنور وجدي وهو "بابا وماما وكل شيء في حياتي"، بحكمة الممثلة فيروز الصغيرة.