الإرهاب الجهادي... قراءة علي حرب
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
1- الإرهاب الجهادي هو ظاهرة مركبة، تتداخل في نشوئها عوامل عديدة: سياسية وأمنية، ومعيشية واقتصادية، ولكن العامل الثقافي والفكري، هو العامل الأهم، لماذا؟ لأن الإرهاب الجهادي والانتحاري، لا يصدر إلا عن عقيدة اصطفائية مغلقة، يرى صاحبها أنه ينطق باسم الإسلام الأصولي الصحيح والجهاد المقدس، دفاعاً عن الأمة ضد غزو الدول الغربية من الخارج، أو من أجل إصلاح الأمة، وإعادتها إلى الصراط المستقيم، ومكافحة انحرافها من الداخل، وهذا القتال ليس لأسباب سياسية أو اقتصادية. 2- الإرهاب الجهادي ليس ردة فعل على العدوان الغربي، كما أن الإرهاب ليس ردة فعل على ظلم أو اضطهاد، وليس الإرهاب منطلقاً من مقولة "صراع الحضارات" أو الرد المتأخر من جانب المسلمين على الزمن الكونيالي، وأن حرب المسلمين ضد فرنسا هي رد فعل على حربها ضدهم، أو بسبب كره المسلمين والتعاطي معهم بمنطق التمييز أو الإقصاء الاجتماعي، كما ذهب إليها فلاسفة ومختصون بالشأن الإسلامي في فرنسا كميشال أونفراي، ومارسيل غوشيه، وريجيس دوبريه. 3- الإرهاب الجهادي ليس كما يقول أوليفيه روا: المسألة ليست راديكالية الإسلام، بل أسلمة الحركات الراديكالية، بمعنى أن هذه الحركات هي متطرفة أصلا، ولبست لبوس الإسلام لاكتساب المشروعية. هذه قراءة خاطئة وخطرة. 4- كل هذه القراءات مغلوطة للإرهاب الجهادي: أولا: الإرهاب ليس ردا حضاريا على حرب يشنها الغرب على حضارة المسلمين وهويتهم ومعتقدهم، لأنه، وبحسب المنطق الإرهابي، قتال في سبيل الله تعالى، وسعي لأسلمة الحياة، وتعبير عن أكثر أشكال التعصب والعدوانية. ثانياً: ليس هو بمثابة (فيتامين الضعفاء) بحسب وصفة دوبريه، إنه بالعكس فيروس قاتل تم زرعه في العقول من جانب الحركات الأصولية السلفية، يجسده 3 فاعلين على المسرح: لاهوتي متكلم يجتهد ويشرع، وداعية يفتي ويكفر، وجهادي يقتل وينفذ، يستوي في ذلك: أهل الخلافة وأتباع ولاية الفقيه. ثالثا: وقعت هذه القراءات في خطأ الجهالة بنسق فكري أصولي اصطفائي، يدّعي أصحابه احتكار الحقيقة، ولهم مشروع للهيمنة على مختلف جوانب الحياة المجتمعية، وله أساسه ومنطلقه كما أن له وسائله وغاياته، والجهادي إنما يسعى إلى فرض شريعته، يشن حرباً شعواء على المختلف والآخر في الداخل والخارج. رابعا: إن هذه القراءات خطرة، لأنها في النهاية تعطي التبريرات اللازمة لاستمرار ما تقوم به هذه المنظمات الجهادية، وبذلك تحجب الأسباب الفعلية لنشوء ظاهرة الإرهاب الجهادي، حينما تردها إلى الاستعمار أو الاستبداد أو إلى صدام الحضارات أو إلى استراتيجيات التهميش والإقصاء، وهي عوامل مساعدة، وتتجاهل العامل الفكري والثقافي الأساسي. هذا المنهج في القراءة خطر، لأنه هو الذي برر ما مارسه النظام النازي من أعمال القتل والإبادة، بوصفها ردة فعل ضد الحلفاء الذين فرضوا شروطهم المذلة على ألمانيا بعد هزيمتها. الخاتمة: ما المخرج؟ لنحسن القراءة والتشخيص كي نجد المخرج، إنه يتعدى المقاربات الأمنية والسياسية والاقتصادية، إننا بحاجة إلى استراتيجية جديدة، تندرج في برامج التعليم، من أجل العمل على تشكيل هويات مركبة، بأبعادها المتعددة: الوطنية والعالمية، الخصوصية والإنسانية، المحلية والكوكبية.* كاتب قطري