تحت تأثير ضغط كبير من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قرر أخيراً رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، هذا البلد الذي ينعم بثروات مثل معادن النحاس والألماس والكوبلت، عدم الترشح مجدداً.كان يُفترض بجوزيف كابيلا التنحي عام 2016 بعدما شغل منصب الرئيس لولاياتين متتاليتين، علماً أن هذا الحد الأقصى الذي يحدده الدستور، لكن كابيلا الذي يتقن كسب الوقت والتصدي للانتقادات الدولية، نجح في البقاء في السلطة طوال 18 عاماً تقريباً خلفاً لوالده الذي تعرض للاغتيال، ومن المفترض اليوم عقد الانتخابات في 23 ديسمبر.
ولكن يجب ألا ننخدع ونشعر بالرضا، ما زال الحاكم المستبد كابيلا، الذي كدّس ثروة ضخمة، مصمماً على ما يبدو على استعادة السلطة، يملك كابيلا وعائلته أسهماً في 80 شركة في الكونغو وخارجها، مع ممتلكات تصل قيمتها إلى عشرات ملايين الدولارات، وفق بحث نشرته السنة الماضية مجموعة أبحاث الكونغو في الولايات المتحدة التابعة لجامعة نيويورك.سيظل كابيلا رئيس حزبه، واختار بعناية إيمانويل رامازاني شاداري للترشح كي يخلفه، حيث تصف وكالة رويترز شاداري بـ»مؤيد كابيلا المتشدد»، الذي فرض عليه الاتحاد الأوروبي في شهر مايو 2017 عقوبات شملت تجميد أصوله ومنعه من السفر لانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها كوزير داخلية.إذا فاز شاداري فسيتمكن كابيلا من الترشح مجدداً في عام 2023 (لن يكون قد تجاوز آنذاك الثانية والخمسين من العمر)، مستعيداً السلطة في مناورة شبيهة بما رأيناه مع فلاديمير بوتين. يشير محلل يعمل في صحيفة Mail and Guardian الإفريقية الجنوبية: «يسود الاعتقاد أن شاداري، إذا فاز، سيكون دمية سيتول كابيلا تحريك خيوطها حتى لو لم يشغل أي منصب رسمي في الحكومة».لكن كابيلا، إذا ظل في السلطة، سيضع الولايات المتحدة أمام تحديين: أولاً، بما أن استمرار نظامه سيولّد اضطرابات لا مفر منها في الكونغو، سيظل الجمر يتأجج تحت الرماد في إفريقيا الوسطى، مولّداً بيئة تسمح للإرهابيين بإنشاء قاعدة عالمية. وثانياً، ستحاول الصين، التي تسعى بدأب إلى تعزيز نفوذها وأصولها في إفريقيا، التعاون مع نظام كابيلا بغية الترويج لمصالحها.يبذل كابيلا اليوم قصارى جهده لتزوير الأصوات لمصلحة ولي العهد شاداري، فقد أخذ خطوات جدية ليمنع مويس كاتومبي تشابوي، مرشح المعارضة الواسع الشعبية، من الترشح. كاتومبي رجل أعمال ثري له استثمارات في مجالات العقارات، والمناجم، والزراعة. كذلك يملك نادي كرة قدم بارزاً في إفريقيا، وقد خدم بصفته أول حاكم منتخب ديمقراطياً لمقاطعة كاتانغا، التي كانت آنذاك كبرى مقاطعات جمهورية الكونغو الديمقراطية.في عام 2016، حُكم على كاتومبي غيابياً بالسجن بتهمة مشكوك فيها: بيعه عقاراً لا يملكه. كذلك اتُّهم باستئجاره مرتزقة، وكي يتفادى السجن أو الموت، اختار المنفى وقد مُنع حتى اليوم من تقديم طلب للترشح للرئاسة.في خطوة تضامن مذهلة، أصدرت ستة أحزاب معارضة قبل أيام بياناً طالب كابيلا بسحب تهديداته العسكرية ضد كاتومبي وأعوانه والسماح لهذا الحاكم السابق بدخول البلد، فضلاً عن اتخاذ خطوات أخرى لضمان نزاهة عملية الاقتراع. كذلك تعمل هذه الأحزاب على التوصل لاتفاق بغية تقديم مرشح مشترك واحد.لكن آخر ما يريده كابيلا انتخابات حرة ونزيهة، إلا أن من الضروري أن تصر الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، والمنظمات الدولية الأخرى على ذلك مع منح كل المرشحين المؤهلين فرصة في صناديق الاقتراع. بخلاف ذلك، سينتشر عدم الاستقرار في مختلف أرجاء القارة التي ستخضع لهيمنة الصين الاقتصادية. تستحق إدارة ترامب تقديراً كبيراً لمعالجتها الخطر الذي يمثله حكم كابيلا المطوّل، ولكن ما زال هنالك عمل ملح يجب إنجازه ولم يتبقَّ سوى أسابيع قليلة لإنجازه.* جيمس غلاسمان* «ريل كلير ورلد»
مقالات
رغم عدم ترشح كابيلا... سيظل خطراً يهدد الكونغو والعالم
28-08-2018