اللغة، الأدب والهوية
![ناصر الظفيري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1497859964459581700/1497859964000/1280x960.jpg)
كرَّست الرواية الأميركية نفسها بمضامين اجتماعية ونفسية، بعيدا عن سطوة الرواية الإنكليزية، فكانت أعمال ميلفيل وفولكنر وتوني موريسون تحمل خصوصية المجتمع الأميركي وصراعاته الداخلية. حافظ هذا الأدب على هوية تميزه، رغم أن لغته الأم ما زالت هي اللغة التي تركها المستعمر قبل فك الارتباط. اللغة الإنكليزية يكتب بها أدباء أكثر من بلد مثل كندا وأستراليا وشمال الهند ونيجيريا، لكن ذلك لا يجعل هذه الآداب تحمل هوية واحدة، فلكل أدب هوية يحملها لا تتشابه مع الآخر. فهذه اللغة لم تستطع أن تتجاوز كونها وسيلة اتصال. أما هوية المنتج الثقافي، فهي سلسلة طويلة من الاجتماع والتاريخ والسياسة والتكوين الثقافي الذي يميز كل بلد عن سواه. بالتأكيد نشأة الروائي الأميركي اليوم تختلف عن البريطاني والايرلندي، ونتاجه الأدبي هو انعكاس لهذه النشأة الثقافية.نحن في العالم العربي ننتمي إلى دول شتى تم تقسيمها تحت استعمار أجنبي، نمتلك لغة واحدة ونشأة أدبية وثقافية ودينية واحدة، ونجزم بأن لأدبنا هوية واحدة. وحين يخلص كاتب ما لمدينته أو حارته ويكتب عن خصوصيتها سيكتشف أن تلك الخصوصية تنطبق على أغلب عواصمنا العربية. جميعنا نعيش خطابا دينيا واحدا ومناهج تعليمية واحدة، جميعنا نتاج أنظمة ديكتاتورية متشابهة، وجميعنا نعاني سلطة أبوية بشكل أو بآخر. قد يرى البعض أن تلك ميزة في الأدب العربي، وهو صاحب هوية ثابتة، لكنها ميزة مؤلمة، فأغلب أعمالنا الأدبية هي نتيجة صراعنا مع السلطة وقهر السلطة. لا تقرأ عن مدينة من مدننا حتى تجد أنها تشبه جميع مدننا، ولا عن إنسان هذه المدن حتى تجده نسخة مكررة من سكان جميع المدن العربية. فمعاناة سجين في الشام هي معاناته في مصر أو بغداد أو الخليج. ليس هناك ما يجعلنا نتنوع ونختلف لتشكل كل مدينة حالة استثنائية سياسيا واجتماعيا وثقافيا. كأننا نغش من بعضنا، فنتساوى في الحياة البائسة، ونتساوى في نقلها أدبيا.تلك ليست دعوة لأن نتخلى عن لغتنا أو قضايانا، كما سيفهم البعض، لكنها دعوة للخصوصية، التي لن تتحقق حتى نعرف كيف نختلف، ولن تتحقق حتى نصل إلى حريتنا.