عن محمد الشارخ الظالم نفسه
يستعرض الكاتب سمير غريب محطات مهمة من حياة الكاتب محمد الشارخ، مشيراً إلى ريادته في تطويع اللغة العربية لاستخدامات تكنولوجيا المعلومات والحاسب الآلي وفقاً لمقاله المنشور في مجلة إبداع– عدد يونيو/ يوليو 2018.
كان محمد الشارخ – الكويتي الجنسية، أول من فكر في تطويع اللغة العربية لاستخدامات تكنولوجيا المعلومات والحاسب الآلي، عندما كان العرب حديثي العهد بهذه التكنولوجيا، اختار القاهرة لتأسيس شركته الكبرى لهذا الغرض منذ خمسة وثلاثين عاماً. عندما فرغ من مهمته بنجاح بدأ في مهمة أخرى لا تقل أهمية: إنشاء أرشيف الكتروني للمجلات الثقافية العربية، تفرغ عدد كبير من العاملين في 19 دولة عربية وغير عربية لتصوير هذه المجلات، ثم أضافها فريق فني على موقع الكتروني خاص بها مقره القاهرة أيضاً. بلغ عدد المجلات المصورة حتى الآن 203 مجلات، بعدد صفحات مليون و700 ألف صفحة!! منها مجلات مصرية مثل: الرسالة، والثقافة، والهلال.. وغيرها، وهي من أهم المجلات الثقافية العربية، وما زال العمل جارياً لاستكمال كل المجلات بكل أعدادها.قبل أن ينتهي من هذا المشروع الثقافي العام الضخم، إذا بمحمد الشارخ يبدأ مشروعاً كبيراً ومهماً أخر، وهو الإعداد لإصدار قاموس عربي/عربي بعدما توقف إصدار القواميس العربية منذ زمن طويل.
من الواضح أن مثل هذه المشروعات لا تدرّ أرباحاً على صاحبها، وهي لا تتضمن أي إعلانات تجارية، ومن الواضح أيضاً أنها مهمة وزارات الثقافة أو مؤسسات ثقافية كبرى ، لكن الشارخ لديه هوس بخدمة الثقافة العربية. كنت أعتقد أن هذا هو الجانب الظاهر الوحيد الذي أعرفه عن محمد الشارخ، حتى ظهر لي فيه جانب شخصي، ذلك أنه من كبار مقتني الأعمال التشكيلية العربية، معظم الفنانين الذين اقتنى لهم مصريون، كثير منهم ارتبط معهم بصداقات شخصية مثل: أحمد مرسي، وجورج البهجوري، وجميل شفيق، وأدم حنين وحسن سليمان، وفتحي عفيفي، ومصطفى رمزي.. وغيرهم. المؤكد أن الشارخ نفسه مصري الهوى، لديه عدد كبير من الأعمال الفنية بحيث يكوّن متحفاً، أُلح عليه بأن يؤسس هذا المتحف ويضع آلية تجعله قابلاً للاستمرار والحفاظ عليه في المستقبل، كما نشهد في أوروبا العديد من المتاحف الشخصية.ليس ذلك فقط، فمحمد الشارخ كاتب محترف وموهوب استفاد من علاقته الطويلة بالفن والفنانين التشكيليين لينمي فيه نظرة خاصة ناقدة للفن، متميز بما قد يحرص كثير من النقاد الرسميين على إخفائه، وهي الصراحة والموضوعية.المشكلة أن الشارخ لا يكتب نقداً، مرة واحدة على ما أذكر، كتب مقالة طويلة في مجلة «العربي» الكويتية، منذ عام بالضبط بعنوان «غرابة النظرة» بدأها بقوله «لست ناقداً فنياً، ولست مؤرخاً للفن»، ثم استغرق في نقده لأعمال فنية وتأريخ لفنانين عرب، أشعر بخسارة شديدة في عدم استمرار الشارخ في الكتابة عن الفن على الأقل فنحن في حاجة إلى نظرة جديدة.وليس ذلك فقط هو محمد الشارخ الذي عرفته، فهو فوق ما سبق، أو قبل ما سبق، قصاص متميز، اختار مجلة طليعية مصرية لنشر أول قصة له، كانت مجلة «جاليري68» وكانت قصة اسمها «قيس وليلى»، بعد أربعين سنة!!! أصدر أول مجموعة قصصية له بعنوان «عشر قصص من القاهرة» دائماً القاهرة ، بعدها أصدر مجموعة «العائلة» ثم، «الساحة» وأخيراً «أسرار».هذه العجالة لا تكفي للحديث عن الشارخ الناقد أو القصاص، لكني اكتبها لانتهي بأنه ظلم نفسه وظلم القراء معه: قراء الفن التشكيلي وقراء الأدب، أعرف أنه يهتم بمشروعاته العامة الكبيرة، ويركز في أرشيف المجلات الإلكتروني، ويخصص معظم وقته لإصدار قاموسه المبتكر، لكن هذا عمل يمكن أن يقوم به مديرون محترفون مخلصون، أما الذي لا يقوم به غير محمد الشارخ ويجب أن يتفرغ له فهو كتابة القصص ونقد الفن.