«سيد درويش خليتنا نعيش وجع الصناعية المساكين.. دول غلابة مالهمش معين غير الله وخير المحسنين... من كوم الدكة لكل حتة غنيت عذاب المغرمين... مصر اسكندرية المدن العربية هم الحاجب وانت العين... فينك يا شيخ سيد فينك الناس كلها جات على شانك... أنا هويتك وانتهيت وليه بقا لوم العزول!» هذه الأغنية كتبها شربل روحانا ولحنها وأهداها إلى سيد درويش (1892 ــ 1923) في الأمسية التي نسقها وأشرف عليها وقدمها تكريماً للفنان الكبير الذي كان له الفضل في ابتكار مضمون جديد في الموسيقى العربية والأغنية وشكلهما.

حوالى 25 عازفاً ومغنياً وثلاثة مغنين منفردين هم: رفقا فارس، وجيلبير رحباني وعيسى غندور، شاركوا مع شربل روحانا في إحياء أمسية استثنائية تضمنت ربيرتواراً منوعاً من أغاني سيد درويش تعكس الأوضاع الاجتماعية والسياسية والعاطفية للمواطن المصري في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من بينها: «يا شادي الألحان، خفيف الروح، سلمى يا سلامة، زنغي زنغي، بلح زغلولي، أهو ده اللي صار، الحلوة دي، طلعت يا محلا نورها، يا عزيز عيني، بلادي بلادي، الشيالين، زوروني كل سنة مرة، أنا هويت وإنتهيت، منيتي عزّ إصطباري»...

Ad

روح متجددة

حرص شربل روحانا على إبراز روح سيد درويش المتجددة وأهميّته بالنسبة إلى الموسيقى الشرقية ومضمون الكلام الشعري، وقد نجح في ذلك بدليل تجاوب الجمهور الذي ملأ المقاعد بأكملها، وطالب روحانا بتقديم المزيد من الأغنيات، ويمكن القول إن تلك الأمسية هي الأكثر حضوراً جماهيرياً في ليالي مهرجانات بيبلوس، تنوع بين فئات الشعب المختلفة.

لا شك في أن هذه الحفلة شكلت نقطة مهمة في مسيرة شربل روحانا الفنية، نظراً إلى إعجابه بسيد درويش الذي قرّب الفن من الشعب وغنى للناس العاديين و«الغلابى»، كما غنى للوطن والأرض أجمل الأناشيد... وقد افتتحها روجانا بكلمات مؤثرة مما جاء فيها: «إنها ليلة سيد درويش الآتي من شط إسكندرية إلى شاطئ جبيل حاملاً معه عبق الماضي بقساوته وحنانه محاكياً هذا الزمن. سيد درويش الذي كان يحلو له أن ينهي مقالاته بعبارة (خادم الموسيقى العربية) لم يكن في الواقع سوى سيد من أسيادها».

تشارك جيلبير رحباني ورفقة فارس في أداء اغنيات بشكل دويتو، كذلك قدم كل منهما أغنيات منفردة، فيما قدم عيسى غندور مجموعة من الأغاني بمهارة فائقة، فهو متعمق في فن سيد درويش وله ألبوم «درويش».

وقبل أن يؤدي أغنية «يا بلح زغلول» أوضح عيسى غندور أن سيد درويش ألف هذه الأغنية حباً بالمناضل سعد زغلول ورداً على محاربة الاستعمار الإنكليزي له ومعاقبة كل من ينطق باسمه، وما لبثت هذه الأغنية أن صارت على كل شفة ولسان، ولم يتمكن الاستعمار من أن يحول دون انتشارها.

ختام السهرة ارادها شربل روحانا وطنية بامتياز، فتوسط المغنين والجوقة وأدى الجميع نشيد مصر «بلادي بلادي بلادي. لك حبي وفؤادي. مصر يا أم البلاد. أنت غايتي والمراد»، وقد اتسم الأداء بالحماسة نظراً إلى جمال الكلمات التي تنمّ عن تعلق بالأرض، وروعة الألحان التي تدل على شفافية وإبداع في التأليف، فوقف الجمهور وصفق طويلا وشارك المغنين أداء الأغنية، فكانت عن حق ليلة «درويشية» بامتياز، حضر المبدع الكبير بقوة فيها.

أستاذ العود

موسيقي لبناني، حاز دبلوماً في آلة العود (1986) وماجستيراً في العلوم الموسيقية (1987). يعمل أستاذ آلة العود في المعهد الوطني العالي للموسيقى - الكونسرفتوار، وهو معد منهج آلة العود المعتمد حالياً في المعهد الوطني العالي للموسيقى. حائز الجائزة الأولى في التأليف ضمن مسابقة هيراياما – اليابان عام 1990 عن نشيد السلام. له مجموعة من الأسطوانات من أبرزها: تشويش (2014)، «دوزان - دويتو عود مع ايلي خوري» (2010)، «شغل بيت» (2008)، «خطيرة» (2006)، «والعكس صحيح» (2003)، «كي لا ننسى» (2001)، «مزاج علني» (2000)، «مدى» (1998)، «سلامات» (1997)، «ذكرى» (1993).