بعد أن تقع الواقعة أيا كانت، قرار حرب، قرار تعيين، قرار استثمار، اختر ما شئت من القرارات، دائما ما يتم بعدها الكشف عن أصوات كانت تحذر من خطورة اتخاذ تلك القرارات، ولكن دائما ما تنتهي الأمور إلى من بيده القوة أكثر من الحكمة.في كل مكان يوجد هناك أشخاص يمتلكون القدرة على معرفة ما سيحصل استنادا إلى خبرات متراكمة وتجارب كاملة مع الفشل والنجاح، هؤلاء في الغالب يتعاملون مع ثلاثة أزمنة في آن واحد (الماضي، الحاضر، المستقبل)، ونسبة الخطأ في آرائهم قليلة جدا، ويحدث كما هو حاصل أن يهبط، بحكم العملية الديمقراطية أو التوازنات السياسية أو حتى العائلية في المؤسسات الخاصة، مسؤولون مهووسون بمسألة الولاء وتحقيق الإنجازات السريعة بأي ثمن، وهنا يحدث التصادم الحتمي.
فريق الأزمنة الثلاثة يرسم صورة عالية الجودة والوضوح للكوارث التي ستقع بسبب بعض القرارات، والمسؤول المهووس بإطالة حياته في المنصب يعيد ترسيم خريطة العمل لكي تكون خالية من أي صوت مخالف لصوته، مع العلم أن الرأي الفني المعارض داخل أي مؤسسة يحسب في خانة الهدايا لا الأفخاخ، ولكن ما الحل مع قصيري النظر؟ أو من يعرفون الحق ويكتمونه لأن مصلحتهم الوقتية تقتضي اتخاذ القرار الخطأ ومن سيأتي بعده الله يعينه؟عند هذه النقطة من الضروري التفريق بين من متخذ القرار في مال الدولة، وبين من يلعب في حلاله، من المؤكد أن وصف "بالطقاق" طرأ على تفكيركم في الحالة الثانية، لأن من حكم في ماله، كما يقول المثل، ما ظلم، ولكن ماذا عمن يعبث بأموال الدولة ومصالح الناس وكأنها إرث أخذه عن أبيه وجده؟هذا الوضع لا يخص مكانا بعينه، لكنه حالة عالمية حصلت في الماضي وتحصل اليوم وستتكرر في المستقبل، والأمل معقود على تقليص دوائر نفوذ أهل القوة والمصالح الشخصية، خصوصا مع تزايد اهتراء الحواجز التي تمنع وصول وانتشار المعلومات المخفية للرأي العام، ومن يمتلكون وسائل التأثير على أصحاب القرار.في الختام هذا المقال مستوحى من مئات العناوين الصحافية والمتابعات الإخبارية لمصائب وقعت لم يتوقعها غير قلة مخلصة حاولت التنبيه بقرع الأجراس داخل جدران مؤسساتهم، ولا حياة لمن تنادي، وحقا لا أتمنى غير بقاء المسؤول المتمصلح على قيد الحياة حتى يفتضح أمره ولو بعد حين ويحاسب، على الأقل شعبيا، فمثل هذه النوعية من المسؤولين تهدم مؤسسات راسخة بين ليلة وضحاها.
مقالات
الأغلبية الصامتة: الأصوات الخافتة
30-08-2018