انفخ يا شريم بدون تعب
د. بدر الفرحان كتب في تغريدة "منع رواية مائة عام من العزلة، الصادرة قبل نصف قرن والمطبوع منها أكثر من نصف مليون نسخة، والمترجمة إلى عشرات اللغات"، وعقبت الروائية بثينة العيسى، وهي واحدة من الذين اكتووا بجمر الجهل والمزايدة المركبين في وزارة الإعلام وجهازها الرقابي، بأن روايات مثل "زوربا اليوناني" و"دون كيخوته" و"فاوست" كلها في قائمة المحظورات بوزارة "جلال الدين الرومي". أما المغرد "بوسارة" فقد تهكم بمرارة: "منع رواية بدون منع صاحبها من دخول الكويت أمر لا نقبل به... نرجو وضع اسم غابرييل ماركيز على قوائم الترقب والمنع!". السابقة الفكرية لمنع دخول "أرواح" أصحاب الفكر المسموم الذي يدمر عاداتنا وتقاليدنا تجد نفسها في مطالبة نائب سابق في مجلس العموم الكويتي بمنع دخول الشاعر معروف الرصافي، المتوفى قبل عقود طويلة، من دخول الكويت، وهي واقعة لا تختلف في مضامينها الثقافية السامية عن مطالبة وزير الإعلام الحالي، قبل توليه كرسي الوزارة، بمنع إقامة ندوة عن شاعر الصوفية جلال الدين الرومي.
هل تكترث هذه الوزارة تحديداً، أو تلك الحكومة بصورة مجملة، أو صداها ممثلاً بمجلس "العموم" الكويتي، بتلك الملاحظات؟ هل سيغير هذا السخط المقموع عالم الجهل والقمع الفكريين سواء مارستهما وزارة "جلال الدين" ضد الكتاب وأرواح أدباء وشعراء، أو مارستهما السلطة الحاكمة ضد المختلفين معها بملاحقاتها الأمنية وعبر سخرية "حكم النصوص القانونية"، من الأمر شيئاً؟! هل هناك من يقرأ ويتفاعل مع هذا الكم الكبير من الجهل المركب والاستبداد المستوطنين في جوف السلطة التي بين كل فترة وأخرى تخرج علينا "بفنتق" جديد عن الثقافة، وكيف اختزلت بمبانٍ أسمنتية دون محتوى أصيل، وتتفاخر بإنجازاتها في مسيرة التقدم الكبرى التي تقودها سلطة الحصافة والبخاصة في الدولة؟ماذا عن هذا الكم الكبير من المقالات الموضوعة في أقفاص قوانين الجزاء والمطبوعات وتوابعهما ومحظورات أصحاب المصالح؟ هل صنعت شيئاً يستحق أن يذكر؟ أين الجديد فيما نكتبه من عشرات السنين في نظام يمقت الجديد، ويحارب كل إبداع بحجة الأمن السياسي، والذي يتستر بجلباب العادات والتقاليد المحافظة؟ هل هناك جدوى مما يثار مع أصحاب الجلد السياسي الثخين المتربعين على كراسي القرار السلطوي من عقود ودون أجل محدود؟!في عام 2016 قرر المشاركون في الدورة العشرين لوزراء الإعلام العرب (أي حراس زنازين الفكر الإنساني) اختيار دولة الكويت عاصمة للثقافة العربية حتى عام 2022، ماذا ستقول أرواح سرفانتس وغوته وغابرييل ماركيز عن ذلك السيرك العربي وعروض مهرّجي الثقافة... بعد أن وضعوا أسماء هؤلاء الكتّاب على قائمة الممنوعين من دخول البلاد، بلاد "دون كيخوتات" الوهم والجهل والغطرسة... وانفخ يا شريم.