الاتجاه نحو وضع قوات أصغر وأكثر ذكاء في الشرق الأوسط
لنكن واضحين: لن يغادر الجيش الأميركي الشرق الأوسط مطلقاً، ولا نشجعه على القيام بذلك، ولكن إذا أراد وزير الدفاع جيمس ماتيس تطبيق تفويض استراتيجية الدفاع الوطني بالتركيز على الصين وروسيا، يجب اعتماد وضع للقوات الأميركية في الشرق الأوسط أصغر وأكثر ذكاء:أولاً، ينبغي للولايات المتحدة أن تعزز تشديدها على الأدوات غير العسكرية، التي تُعتبر أساسية في تمكين شركائنا الإقليميين لمعالجة تحديات الحوكمة الطويلة الأمد، وكسر العقود الاجتماعية، وتعزيز مكافحة الإرهاب والمكاسب المناطقية بغية نشر الاستقرار، لكن مبادرات مماثلة تتطلب تمويلاً مستداماً ومسؤولاً من وزارة الدفاع والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، علماً أن ميزانيتيهما خُفضتا خلال السنتين الأوليين من عهد ترامب.ثانياً، ينبغي للولايات المتحدة أن تعيد تشكيل «أثاثها» في المنطقة، ونقصد بذلك قواعدها العسكرية، وأصولها، وعناصرها العسكريين في الشرق الأوسط. قد تشمل هذه العملية تخفيضات مع التركيز على الاستثمارات الذكية، فيلزم أن يكون الهدف ترك ما يكفي لسد حاجات العمليات الدائرة، مع أخذ الاعتبار بأي حالات طارئة محتملة، وتحمّل مقدار محدود من المخاطر في السيناريوهات الأقل احتمالاً كما تصفها استراتيجية الدفاع الوطني، التي تدعو إلى «مواجهة مخاطر مدروسة» خمس مرات في خلاصتها غير السرية.
ثالثاً، على الولايات المتحدة أن تحدّث قواعدها العسكرية في المنطقة. دحضت أبحاث مؤسسة راند افتراضاً جوهرياً عن دور القواعد في ضمان القدرة على الولوج في الحالات الطارئة، فقد كشفت دراسة عام 2014 أن «وجود قواعد كبيرة دائمة لا يزيد احتمال ضمان القدرة على الولوج في الحالات الطارئة»، واعتُبرت مجموعة قواعد عسكرية (وخصوصاً في الخليج العربي) دُعمت ووُسّعت منذ حرب الخليج عام 1991 أساسيةً في شن حروب العراق المتتالية، ولا تزال كذلك بالنسبة إلى العمليات في أفغانستان وجهود محاربة الإرهاب وردع إيران. صحيح أن المهمات الثلاث الأخيرة هذه ستظل محاور رئيسة في مقاربة الولايات المتحدة الإقليمية وتعاطيها مع مجموعة من السيناريوهات المحتملة، إلا أن تنفيذ هذه العمليات والاستعداد للأزمات وخطط الطوارئ المحتملة، التي قد تنشأ من صراعات مستقبلية، لا يتطلبان إبقاء كل قواعدها الحالية في المنطقة «حامية». تفرض القواعد «الحامية» على مستخدم القوة الرئيس (في هذه الحالة الولايات المتحدة) والأمة المضيفة الاضطلاع بعملية تزويد بالجند، وتشغيلٍ، وصيانةٍ مستمرة. بدلاً من ذلك، تستطيع الولايات المتحدة نقل بعض قواعدها من قواعد «حامية» إلى «فاترة»، فتتولى عندئذٍ الدولة المضيفة خصوصاً تشغيلها وصيانتها بموجب اتفاق يسمح للقوات الأميركية برفع مستوى عملياتها كلما دعت الحاجة.رابعاً، من الضروري أن تصمم الولايات المتحدة سلسلة من تدابير تخفيف المخاطر بغية التصدي لأي خطر قد ينشأ من جراء تعديل وضع قواتها الحالي، ويجب أن تشمل هذه الخطوات زيادة احتياطاتها من المعدات المنشورة مسبقاً في المنطقة وتعميق الشركات الأمنية من خلال استشارات مضبوطة وهادفة، وبناء المؤسسات، والتدريب، والتمارين، والتبادل، وتجهيز شركاء قادرين بغية معالجة الأهداف الأمنية المشتركة.لا نوصي بالتعاطي مع هذه التعديلات باستخفاف لأن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تواجه المخاطر والتحديات، بالإضاقة إلى ذلك قد يؤدي قرار الإدارة سحب الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة، التي تهدف إلى عرقلة برنامج إيران النووي، وتبنيها مقاربة أكثر حزماً في تعاطيها مع سلوك إيران، الذي يزعزع الاستقرار، إلى تصعيدٍ يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة له بالتنسيق بشكل لصيق مع حلفائها وشركائها، لكن الوقائع المتبدلة في البيئة الأمنية والتفاعلات في السياسة والموازنة الأميركيتين تحفزان عملية تقييم ذاتي في وزارة الدفاع، وآن الأوان لإجراء تعديلات تدريجية في القيادة المركزية الأميركية تعكس هذا الواقع.ينبغي للكونغرس أن يكلّف وزارة الدفاع بمهمة تحديد السبل إلى إعادة صوغ وضع قواتها، مقدمةً بالتالي تقييمات سرية وغير سرية متاحة للعموم، يجب أن تشمل هذه التقييمات توضيحاً يُظهر كيف تنوي وزارة الدفاع تطبيق نموذجها التشغيلي العالمي ومفاهيم استخدام القوات الديناميكي التي تحددها استراتيجية الدفاع الوطني في إطار الشرق الأوسط. كذلك ينبغي أن تحدد كيف ستتبدل خطط الحرب بالضرورة مع تعديلات وضع القوات، وستواصل هذه المنطقة إلقاء تحديات كبيرة ومتبدلة على كاهل الأمن القومي الأميركي، ولكن على صانعي السياسات الأميركيين السعي لجعل وضع القوات الأميركية أكثر مرونةً وأكثر قدرةً على التكيّف والتفاعل بغية تلبية متطلبات القيادة المركزية الأميركية، فضلاً عن الأولويات العالمية.*ميليسا دالتون