اللاجئون السوريون في تركيا
في خضم حملة بوتين الانتخابية الرئاسية تعرض لتراجع تام في شعبيته التي وصلت إلى 76% منخفضة عن 84% قبل سنة خلت، وقد يكون بوتين نجح في جعل روسيا عظيمة من جديد في ميدان السياسة الخارجية، لكن الوقت حان الآن للالتفات إلى مشاكل روسيا الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة.
يشكّل السوريون نحو ثلث اللاجئين في العالم، وتستضيف تركيا 63.4% منهم، أي 3.570.352 شخصاً، ويمثّل هذا العدد المستمدّ من إحصاءات «المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، زيادةً بنسبة 4.2% في عدد سكان تركيا لعام 2017 البالغ 81.745.000 نسمة، لذا تتطلّب هذه الإضافة الكبيرة الفجائية تحليلًا أكثر عمقاً لآثار النازحين السوريين الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية على المجتمع التركي.يُعدّ تدفق اللاجئين السوريين بين عامي 2011 و2017 أهم تحوّل ديموغرافي في تركيا منذ «التبادل السكاني» مع اليونان بين عامي 1923 و1924، فقد فتحت الحكومة التركية أبوابها أمام الناس للهروب من وحشية نظام الأسد في أبريل 2011، ففر مليون شخص عبر الحدود بحلول سبتمبر 2014، وبعد عام تضاعف العدد إلى مليوني شخص، ليبلغ ثلاثة ملايين عام 2017، من هؤلاء 1.926.987 رجلاً و1.627.085 امرأة مع أكثر من مليون لاجئ دون العاشرة.وتضم إسطنبول أكبر عدد من اللاجئين وتستضيف ثماني محافظات جنوبية نحو 57% منهم، وتستضيف ثلاث محافظات صناعية- هي قونية وقيصري في وسط تركيا، وأزمير على طول الساحل الغربي- أعداداً كبيرة من اللاجئين، ولكن الأثر السكاني المحلي أقل بكثير من حيث النسبة المئوية.
أثر عرقي
على الرغم من أن هذه الأعداد قد تبدو صغيرةً مقابل مجموع سكان تركيا، فإنّ اللاجئين أحدثوا أثراً كبيراً في التكوين العرقي لبعض المحافظات، لا سيّما المناطق التركية والكردية والعربية المختلطة على الحدود السورية. ليست هذه المحافظات هامشية ديموغرافيا، فغازي عنتاب وهاتاي وكهرمان ماراس وكيليس وماردين وسانليورفا موطن أكثر من 10.6% من سكان البلاد، كما تُعد عاصمة غازي عنتاب ثامن أكبر مدينة في تركيا.واليوم يشكّل اللاجئون والمواطنون الناطقون باللغة العربية 56% من سكان هاتاي، مما يجعلها أول محافظة ذات أغلبية عربية في تركيا، وفي حين سيطر العلويّون على مجتمع هاتاي العربي قبل الحرب، فإن تدفق اللاجئين جعل المجتمعات العربية السنية والعلوية متساويةً في الحجم، وأفادت بعض التقارير أن السكان العرب قد حققوا قفزات كبيرة في عدد السكان في ماردين (من 21% إلى 31.2%) وفي سانليورفا (من 13% إلى 32.3%).معوّقات الاندماج
من عام 2011 حتى عام 2016 حافظت أنقرة على سياسة الباب المفتوح عبر قبول اللاجئين السوريين المشمولين بنظام «الحماية المؤقتة» بشكل قانوني، ويستند هذا النظام، الذي أنشأته «المديرية العامة لإدارة الهجرة» (GIGM) على ثلاثة مبادئ: تُبقي تركيا حدودها مفتوحةً أمام الأشخاص الذين يلتمسون الأمان؛ ولا يرسل أي سوري إلى دياره ضد إرادته؛ مع تلبية الحاجات الإنسانية للفارين من الحرب.وفي حين أن الحماية المؤقتة هي إجراء إنساني غير سياسي، فإن «المديرية العامة لإدارة الهجرة» تفرض الكثير من المتطلبات والقيود البيروقراطية، إذ لدى اللاجئين مهلة زمنية محددة للحصول على بطاقات تعريف خاصة بالحماية المؤقتة، ولا تُعتبر هذه البطاقات بمثابة تصاريح إقامة أو تصاريح عمل، كذلك على السوريين الحصول على تصريح إقامة مؤقت للتنقل بحرية داخل تركيا، غير أنّ الحصول عليه يتطلب جواز سفر ساري المفعول (لم يعد يملكه العديد من اللاجئين) وتأمينا صحيا تركيا (بتكلفة لا تقل عن 300 دولار سنوياً) وحسابا مصرفيا يحتوي على ما لا يقل عن $6.000 (مبلغ باهظ لمعظمهم)، وتنطبق هذه القيود على أي مهاجر غير شرعي، وليس على السوريين فقط. واليوم يبلغ عدد اللاجئين الذين يملكون تصاريح إقامة تركية 712.218 فقط، حيث يقيم 347.297 منهم في إسطنبول، وغضت الحكومة الطرف في البداية عن اللاجئين غير المسجّلين الذين تجاوزوا مهلة الثلاثة أشهر التي حدّدها القانون في يناير 2015، والتي استباحها كثير من السوريين عبر الخروج من تركيا والعودة إليها، ومع ذلك دفعت الزيادة الهائلة في عدد الوافدين بالحكومة في النهاية إلى فرض التقيّد بالمهلة المحددة كوسيلة لحثّ السوريين على التسجيل للحصول على تصاريح إقامة ومعالجة المخاوف الأمنية المحتملة.ويُسمح لبعض أرباب العمل في مجال الزراعة وتربية الحيوانات بتوظيف السوريين المشمولين بالحماية المؤقتة كعمال موسميين دون تقديم طلبات للحصول على تصاريح عمل، غير أن كثيراً من المهن الأخرى مغلقة تماماً أمام السوريين، مثل طب الأسنان، والصيدلة، والطب البيطري، والعمل القانوني، وأعمال التوثيق، والأمن، والسمسرة الجمركية، وبالنظر إلى كل هذه القيود، يشارك حالياً أقل من 1% من السوريين ممن هم في سن العمل في سوق العمل الرسمي لتركيا، وكما كشف أحد المسؤولين في وزارة العمل خلال اجتماع عُقد في هاتاي فإن الأغلبية الساحقة «تفضل الاقتصاد غير الرسمي بسبب التكاليف المرتبطة بالحصول على تصاريح العمل».احتمالات التجنيس
في أبريل 2013 وافقت تركيا على «قانون الأجانب والحماية الدولية» الشامل والمستوحى من «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، الذي أعاد التزام البلاد بتزويد اللاجئين بالحاجات الإنسانية الأساسية وأُنشئت هيئة حكومية جديدة لإجراءات اللجوء، وهي «المديرية العامة لإدارة الهجرة» المذكورة آنفاً. ومع ذلك لم يُشرع في تسجيل العدد المتزايد باطراد من السوريين إلاّ بحلول 2014، وحتى في ذلك الوقت، لم يكن النظام شاملاً أو فعالاً بما يكفي لمواكبة التدفق السريع النمو، وبالتالي لا يزال معظم اللاجئين غير المقيمين في المخيمات غير مسجلين وغير معروفين.وفي الوقت نفسه اعتمدت الحكومة قانوناً جديداً للجنسية التركية في مايو 2009 يسمح للاجئين بتقديم طلب للحصول على الجنسية إذا كانوا عاشوا في البلاد «خمس سنوات بلا انقطاع». (هناك متطلبات أخرى للقانون، ولكن في واقع الأمر، تتلخص العملية في معيار خمس سنوات). ولكي يثبت اللاجئون أنهم استوفوا هذا الشرط يجب أن يوفروا محل إقامة قانونيا أو تصاريح مؤرخة بشكل مناسب، ويمكن الحصول على الوضع القانوني لمحل الإقامة عبر التقدم بطلب إلى مكتب حاكم المحافظة خلال الأيام العشرة الأولى من دخول تركيا.إن العديد من اللاجئين، الذين تقدموا بطلبات للحصول على هذه الوثائق لدى وصولهم، قد استوفوا شرط السنوات الخمس وأصبحوا مؤهلين الآن ليصبحوا مواطنين أتراك، فمنذ عام 2011 حصل 55.583 سورياً على الجنسية بشكل رسمي، من بينهم نحو 25.000 شخص تحت سن الثامنة عشرة، إلّا أن هذا العدد يُعتبر ضئيلاً حينما ينظر المرء إلى أن 276.158 طفلاً قد وُلدوا لأبوين من لاجئين في تركيا بين أبريل 2011 ونهاية عام 2017 (على خلاف الولايات المتحدة، لا تمنح تركيا الجنسية تلقائياً للأطفال المولودين على أراضيها؛ يجب أن يكون أحد والديهم على الأقل مواطناً أولاً). ويشير هذا العدد الضئيل إلى أن الحكومة التركية قد لا تكون راغبةً في الإسراع بمعالجة طلبات التجنس الخاصة بالسوريين؛ كما قد يلوّح بأن العديد من السوريين يتردّدون في السعي للحصول على الجنسية التركية لأنهم يعتقدون أنها قد تعرّض هدفهم بالعودة إلى بلادهم يوماً ما إلى الخطر.الخاتمة
في حين أبلت أنقرة حسناً باستقبال نحو 3.6 ملايين سوري وتلبية حاجاتهم الأساسية، إلّا أن جهود دمجهم مع السكان المحليين جاءت متأخرةً، مما يشير إلى أن تركيا لا تزال تنوي إعادتهم إلى سورية. كما سبق أن نقلت الحكومة ما يقارب الـ150.000 لاجئ إلى المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها في شمال سورية. وفي المرحلة القادمة قد ترغب أنقرة في الموافقة ضمنياً على حل سياسي ينهي الحرب ويمهّد الطريق أمام عودة مزيد من السوريين إلى بلادهم، فالمسؤولون الأتراك يتسامحون أساساً مع سيطرة نظام الأسد على السلطة حتى عندما يقولون عكس ذلك في العلن. وفي النهاية هناك أعداد كبيرة من هؤلاء اللاجئين قد عارضوا نظام الأسد، ويبقى أن نرى لأيّ عدد منهم ستسمح دمشق بالعودة إليها.
منذ 2011 حصل 55583 سورياً على الجنسية بشكل رسمي من بينهم نحو 25 ألفاً تحت سن الثامنة عشرة
276158 طفلاً وُلدوا لأبوين لاجئين في تركيا بين أبريل 2011 ونهاية 2017
276158 طفلاً وُلدوا لأبوين لاجئين في تركيا بين أبريل 2011 ونهاية 2017