عالم ترامب المتغير... غموض الماضي وكآبة الواقع الجديد

نشر في 01-09-2018
آخر تحديث 01-09-2018 | 00:00
No Image Caption
الجدل المحيط بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعكس ردة فعل لأحداث الماضي، فهو إما من نوعية الرجل الأخرق أو من نوعية من يحاول استعادة ما تم فقده، وإن ما يشعر به المرء نحو ترامب لا يمكن فصله عما يظنه العالم قبل وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة.
يمكن تفسير الكثير من الجدل المحيط بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقول إن ذلك يعكس ردة فعل لأحداث الماضي، وكان ترامب إما نوعية الرجل الأخرق أو من يحاول استعادة ما تم فقده.

وبكلمات أخرى، إن ما تشعر به نحو ترامب لا يمكن فصله عما يظنه العالم قبل وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة.

ولنأخذ، على سبيل المثال، التحديات التي تطرحها الصين، نحن الآن في حرب تجارية مع بكين التي لم تؤمن قط بالتجارة الحرة أو العادلة، وبدلاً من ذلك، وفي الحال الأسوأ، كان الافتراض في أوساط الغربيين المخدوعين في أوروبا والولايات المتحدة أن ذلك سيرضي الصين، وكانت الفكرة غير المعلنة في الغرب هي الدعوة إلى «التعايش مع هذا الواقع».

وفي غضون ذلك، ضغطت الصين بحرية على الشركات الغربية العاملة فيها، وقد علمنا أن عملاء للجاسوسية الصينية قد دفنوا بعمق داخل الهيكلية الهرمية الأميركية، وكان من المحتمل حدوث أحد أمرين عاجلاً أم آجلاً: إما أن تحسن الصين جهودها الى النقطة التي تضمن لها تقدماً دائماً على المستوى العالمي، أو أن تعمد الولايات المتحدة إلى معالجة هذا الوضع بصورة غير متساوقة، وفي الحالتين ستكون الحصيلة مربكة وخطيرة، وكانت هذه المعضلة صحيحة، ولو بدرجة أقل، مع حلفائنا.

ألمانيا وحلف الناتو

وفيما يتعلق بحلف شمال الأطلسي (الناتو) لم يتمكن أي رئيس بصورة ناجحة من دفع ألمانيا– التي تتمتع بأكبر فائض حساب في العالم و65 مليار دولار من التباين التجاري مع الولايات المتحدة– إلى تقديم المثل الملائم للدول الأعضاء في الناتو من خلال الوفاء بالتزاماتها لدفع 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لديها للاستثمارات العسكرية.

من جهة أخرى، كان نقل السفارة الأميركية إلى القدس واحدة من الخطوات المستحقة التي تحولت إلى دراما نفسانية، وفيما يتعلق بالدفاع واجهت الولايات المتحدة قبولاً يحاكي فترة الثلاثينيات من القرن الماضي في أن العالم أصبح مكانا خطيراً وأن علينا إما الانسحاب وإما قبول قواعد جديدة.

وقد فشلت العلاقة مع روسيا بطريقة مهينة، وكانت النتيجة دعوتها الى تأدية دور أكبر في الشرق الأوسط وتحجيم القوة الصاروخية الأوروبية.

وستعيد الصين بناء نسختها المحدثة من الطريقة اليابانية المزدهرة في شرق آسيا كما أن كوريا الشمالية ستستمر في امتلاك القدرة على استهداف المدن الأميركية بشكل دائم وسيتعين علينا التعايش مع هذا الوضع كما تعايشنا مع باكستان النووية.

من جهة أخرى سيصبح الإسلام الراديكالي مشكلة أمنية من جديد، وقد اقتصرت حلول تلك المشكلة على «مراقبة عمليات طارئة» و»عنف أماكن العمل» و»الكوارث البشرية»، كما كانت الحال في فورت هود وبوسطن وسان برناندينو أو أورلاندو.

ومن جديد سيتعين على الولايات المتحدة إما إعادة معالجة المشاكل مع إيران وتركيا والصين وكوريا الشمالية وروسيا وإرهاب الإسلام الراديكالي أو الاستمرار في العثور على طرق تسمح لتلك الأنظمة المطلقة والتهديدات الإقليمية بالهيمنة، فيما نأمل أن تفضي التنازلات الأميركية الى خطوات مقابلة من جانب تلك الدول.

وقد ظهر ذلك من خلال اتفاق الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران وخطابه في القاهرة وما يوصف بجولة الاعتذار التي قام بها، وكان الخيار إما ترك الأمور تمضي وانتظار النتائج المحتملة في وقت لاحق أو إعادة التجهيز الآن ودفع سعر أعلى في الأجل القصير من خلال الاستثمارات الدفاعية والضغينة العالمية.

وفي نهاية المطاف اقتصر الأمر على طريقتين من أجل النظر الى وضع السياسة الخارجية الأميركية ومؤسساتها المالية في فترة ما بعد الحرب، وتمثلت واحدة من الطريقتين في كون العالم قد وصل الى مستوى غير مسبوق من الازدهار والسلام– وكان ذلك بسبب قيادة الولايات المتحدة الى حد كبير التي تجلت بعد الحرب العالمية الثانية– وكانت مستدامة بصورة تامة في القرن الحادي والعشرين، وبالتالي لم تكن هناك حاجة للتغيير.

وتمثلت الطريقة الأخرى في تجاهل أن القوى العالمية الجديدة لم تستثمر في الوضع الراهن للعالم وأن مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والنافتا ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي والأمم المتحدة قد غدت عتيقة وبالية وتديرها نخبة عالمية، إما أنها قاومت الإصلاحات اللازمة أو فشلت في النظر إلى الجوانب السلبية للعولمة.

في غضون ذلك لم تكن النخبة الغربية مهتمة بفكرة أن نصف الولايات المتحدة قد استنتجت أن العولمة– بعيداً عن التقنيات التي تمثلت في الآيفون والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي– قد جعلت تلك الحصيلة غير آمنة من الوجهة الاقتصادية، وأن القيم التقليدية الأميركية قد استبدلت بنسبية ثقافية.

فشل مواجهة التحديات

وتجدر الإشارة إلى أن قلة فقط من خبرائنا أظهرت ردة فعل كافية إزاء ملاحظة أن أساليب الماضي المتعلقة بالتحديات الخارجية لم تكن ناجحة بصورة دائمة، إضافة إلى أن التدخل لم يفض دائماً الى ميزات أميركية أو دولية، وأن الداخل الأميركي أصبح ضحلاً، وأن المنظمات الدولية غدت عدائية بصورة متزايدة إزاء القوى التي أوجدتها في المقام الأول.

كان الرئيس ترامب، طبعاً، واضحاً وتحدث بصوت مرتفع وبصورة فظة وغير لبقة كما كان في بعض الأوقات ضيق التفكير، وفي أغلب الأحيان كان عاصفاً وشديد اللهجة، وليست لدية خبرة في الميادين العسكرية أو السياسية، وقد اعتمد على البراعة والحدس بدلاً من البحث والتقصي والاستعداد والانعكاس.

التعاطف مع العسكر

ولكن ترامب أظهر تعاطفاً غريباً وحقيقياً مع المحاربين القدماء والجنود والعمال والمزارعين في الولايات المتحدة، كما اهتم بزيادة فرص العمل للشباب وكان يحترم بشكل حقيقي الطبقة العاملة، وقد أعرب عن شكوكه في مؤسسة واشنطن نيويورك، وكان ترامب يفهم بصورة عميقة ضرورة ضمان وجود أفضل فريق للأمن القومي في العصر الحديث إلى جانب تعيين قضاة فدراليين مهنيين ومحافظين بارعين.

ويتعين علينا الانتظار لرؤية ما إذا كان هذا السلوك «غير الرئاسي» هو ما نحن في حاجة إليه، وذلك في ضوء قوة معارضته التي تجعل تنفيذه لأجندته أكثر صعوبة.

وباختصار، يعتقد نصف سكان البلاد ومعظم العالم– بصورة علنية على الأقل– أن الرئيس ترامب يعرقل بشكل غير ضروري القواعد اللازمة القائمة، كما أن النصف الآخر من الشعب الأميركي استنتج أن ما كان يعتبر طبيعياً إنما يتسم بخطر متزايد.

إن الحفاظ على الوضع القائم سيضمن لهم مستقبلاً يبرهن أنه غير مستدام في الأجل الطويل ولا يتساوق مع رؤيتهم للولايات المتحدة.

واشنطن الآن في حرب تجارية مع بكين التي لم تؤمن قط بالتجارة الحرة أو العادلة
back to top