غيرة الكويتيين على لهجتهم
«ينطتي»، «هزا ما زين»، « أحبه واگد»... تتصدر هذه العبارات التي ينطق بها من يحاول الانضمام إلى المجتمع الكويتي أعلى «ترند» في ”تويتر» لتكون محط انتباه الكل، وهاتيكم الألفاظ ما هي إلا مَسخ مريع للهجتنا. ولكن لماذا يكون أعلى مواضيع مواقع التواصل الاجتماعي انتشاراً هو زلة لسان وافد أو مواطن من أم أجنبية لا تجيد لهجتنا؟ لماذا أصبح شغل الناس الشاغل هو التحدث بخطأ فلان؟ ولماذا تختلط بعض المشاكسات وتتحول إلى تعنيف لفظي وتجريح عاطفي لكل من لا يتقن اللهجة؟ فهل اللهجة أكثر من مجرد أصوات موروثة؟بهذه المقالة سنفسر غيرة الناس، وشراسة بعضهم إزاء تلكم التعثرات، ولكن قبل ذلك أنبه إلى أن لهجتنا الحبيبة أساسا «قَطِية»، أو بالفصحى تجميعة من مختلف المساهمين. فهي مزيج فارسي وتركي وهندي وإنكليزي وفرنسي وكردي وإسباني وبرتغالي، بل وسواحلي (إفريقي)! قالب لهجتنا هو اللغة العربية. القواعد الأساسية لاستخدام كل تلك الكلمات المستعارة هي النحو العربي، ولكن لفظنا لكل الكلمات المستعارة تلك... هو بمثابة مسخ من شتى اللغات. وأولها (چنتا) التركية التي نلفظها «جنطه» بالجيم، وهي مسخ ظريف من التركية، كما هي محاولة ذاك الشاب صاحب اللهجة العراقية في مقابلته التلفزيونية الشهيرة حينما كان بالمطار يبحث عن حقيبته، وقد انتشر مقطعه حينما حاول «تكويت» كلمة «جنطة» أكثر بقولها «ينطه» ليلاقي ردة فعل صاخبة من المجتمع، فلقد كان هو وحقيبته أعلى «ترند» في «تويتر».
كما أود الإشارة إلى أنه من الواضح أن الشاب قالها مازحاً لا ساخراً من اللسان الكويتي، ولكن عقلية الجماهير لا تعرف العمق، فما هو قول الباحثين في اللُغويات الاجتماعية ويليام لابوف وباختين وما قول عالم النفس دانيال جولمن كذلك؟ذكر ويليام لابوف أن أسلوب استخدام أي لغة وتفضيل مفردات معينة فيها هو تعبير لمرتبة الپرستيج أو التشريف الاجتماعي؛ كما لفت إلى أننا نعزز عضويتنا لأي فئة على حسب طريقة كلامنا، فأي زلة لسان قد تسبب طرداً من هذه العضوية، وبالتالي خسران الامتيازات الاجتماعية المرفقة معها، كما في نظرية «الوجاهة الاجتماعية» لبروفيسور علم النفس دانيال جولمن، بأن لكل فرد بالمجتمع وجهاً اجتماعياً، قد ينكسر وقد يقوى على حسب أمر واحد فقط، وهو كيفية نظرة الناس إلينا، فبأي زلة لغوية قد يسقط «پرستيج» أي شخص، وأما باختين فهو الذي سيفسر لنا شراسة الناس للدفاع عن لهجتهم. اللهجة ليست مجرد صوت ورثناه، فكما قال باختين في نظريته «تعدد الأصوات»، الكلمة الواحدة بأي لغة تحوي بداخلها أصداء كل الأفكار الحضارية لذلك المجتمع؛ لذلك فأي تهديد لسلامة لهجتنا هو تهديد لبقاء طريقة حياتنا وطبيعة تفكيرنا. فبالرغم من أننا بالأصل الذين تمردنا على لفظ الكثير من اللغات، فإن مكنة الدفاع الاجتماعية ستظل تدافع عن لهجتنا، وأقوى وسيلة دفاع هي الضحك، وفقاً لما يرى عالم الأعصاب رامشاندران الأميركي من أصول هندية. فتلك التعصبات والسخرية العنيفة مما نسميه «البدليات»؛ هي خوف من تبديل نسيج هويتنا، ولكن ثمة طرق أكثر سلمية ورُقياً، ليت جميع رواد الدواوين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعية يقتنعون بها.