على قدم وساق وبشكل مبكر، يستعد أبناء سيوة الواقعة في عمق الصحراء الغربية (305 كيلومترات جنوب محافظة مطروح الحدودية مع ليبيا)، لاستقبال مجموعة من المهرجانات والفعاليات الثقافية والشعبية التي تُنظَّم سنوياً خلال شهري أكتوبر ونوفمبر. يبدأ الشباب بتنظيف الشوارع وطلي جدران البيوت، ونشر الإرشادات في المناطق المختلفة لتسهيل عملية تنقل زوار الواحة، ويبادر آخرون بالقيام بمهمة «المرشد السياحي» عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتعريف السائحين العرب والأجانب بآثار سيوة وتاريخها الذي يحفظونه عن ظهر قلب.
في منتصف أكتوبر المقبل، تشهد واحة سيوة احتفالات ذات طابع تراثي بمناسبة عيد الحصاد ومهرجان السياحة، حيث تقام فعاليات ضخمة قرب منطقة «جبل الدكرور»، في الليالي القمرية من الشهر (3 أيام)، تزامناً مع بدء موسم حصاد البلح والزيتون التي تشتهر الواحة تاريخياً بزراعتهما.يقول رئيس مدينة سيوة، شعبان معرف: «تبدأ الاحتفالات على «جبل الدكرور» بتجمع أبناء الواحة من الشيوخ والشباب والنساء والأطفال على مائدة واحدة كبيرة، ويحمل كل شيخ قبيلة طاولة طعام على رأسه ليقدمها للناس، لا فرق بين غني وفقير، ويبدؤون تناول الطعام بعد إشارة البدء التي يطلقها شخص يُسمى «القدوة»، يجلس في أعلى مكان على الجبل. بعد ذلك، تنطلق الاحتفالات والأناشيد ويظهر الأطفال بالأزياء الشعبية الفلكلورية».ومن بين المهرجانات التي أصبحت تحظى باهتمام كبير أيضاً، المهرجان الدولي للتمور، وتشهد الواحة دورته الرابعة بين 7 و9 نوفمبر المقبل. تنظمه الأمانة العامة لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة المصرية. وما إن تمّ أخيراً إعلان فتح باب المشاركة في المسابقات المصاحبة له، حتى بدأ شباب الواحة في الترتيب لهذا الحدث المهم، ومن بينهم مصطفى شالي الذي أوضح لـ«الجريدة»: «نهتمّ بالترويج لمثل هذه المهرجانات، لإنعاش السياحة الوافدة إلى سيوة، وننشر صوراً لمعالمها عبر مواقع التواصل الاجتماعي».«جبل الموتى» أحد أبرز المعالم الأثرية هناك. في صعوده متعة كبيرة، ولمشاهدة فتحات الدفن وغرف الموت التي يضمّها سحر خاص. أما الوصول إلى القمة ورؤية سيوة من أعلى نقطة في الواحة فيأخذك إلى عالم من الخيال تشعر فيه بامتلاك المكان وحدك.يقع جبل الموتى على بُعد كيلومترين من سيوة، واكتُشف مصادفة عام 1944 أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما لجأ أهالي الواحة للاحتماء فيه، فاكتشفوا المقابر في داخله، وهو عبارة عن جبل مخروطي الشكل ارتفاعه 50 متراً ويتكَّون من تربة جيرية، ويعد بمنزلة جبانة أثرية.يتميَّز الجبل بمنظره العجيب، فمن أسفله إلى أعلاه عبارة عن مقابر للموتى منحوتة على هيئة خلية نحل من الحجر، في صفوف منتظمة ومتتالية بشكل هندسي يشبه شكل الواحة القديمة.وبحسب المراجع التاريخية، يعود تاريخ هذه الجبانة الأثرية إلى الأسرة 26، ويمتدّ إلى العصرين البطلمي والروماني، وتجمع هذه المقابر في تصميمها بين الفن المصري القديم وبين الفن اليوناني، وتعتبر «سي آمون» أهم مقبرة في الجبل لتميزها بنقوش رائعة، وهي لثري إغريقي كان يتبع الديانة المصرية القديمة.تسلق الجبل لم يستغرق خمس دقائق، وعلى قمته كان يجلس أحمد عبد السلام (54 عاماً) وهو حارس آثار من أبناء سيوة. جلسنا إلى جواره وتحدثنا إليه في أعلى نقطة يمكن أن تشاهد منها أرجاء الواحة كاملة.قال عبد السلام لـ«الجريدة»: «أتنقل في عملي كحارس آثار بين جبال الموتى وإسكندر والدكروري، لكنني أرتاح كثيراً لجبل الموتى، ولي ذكريات كثيرة فيه منذ الصغر»، وأضاف: «أنا حزين لضعف إقبال السُياح خلال السنوات الأخيرة، فقبل ثورة يناير 2011، كانت الأفواج تتدفق يومياً بأعداد كبيرة، وهذا الجبل كان يستقبل مئات السائحين من التاسعة صباحاً وحتى السادسة مساءَ، غالبيتهم من إيطاليا وألمانيا وأميركا».قبل أن نودعه مع آخر شعاع شمس، قال: «أتمنى أن تعود السياحة إلى سابق عهدها، وأن تشهد المنطقة مزيداً من المهرجانات لجذب سياحة الآثار مثلما يحدث بالتزامن مع مهرجان التمور وعيد الحصاد... تضاعف هذه الفعاليات أعداد زوار سيوة، ومعها تدبّ الحياة في جبل الموتى».
توابل - ثقافات
«مهرجانات سيوة التراثية» في مصر تُعيد الحياة إلى «جبل الموتى»
02-09-2018