في لحظة نحن لا شيء
سلوك هذا العالم الشاذ الذي نحياه فيه من الغرابة الشيء الكثير، فمع هدوء موجة اغتصاب في مناطق الحرب ينام هذا العالم وكأن شيئاً لم يكن وكأنه يقول: حسناً انتهت المأساة ونأمل عدم تكرارها!!
![مظفّر عبدالله](https://www.aljarida.com/uploads/authors/783_1682521988.jpg)
هذا العالم الذي نعيش فيه: منظمة الأمم المتحدة، وقانون دولي، ومدونات لحقوق الإنسان محكمة الصياغة، ومحكمة للجرائم الدولية، وعشرات المنظمات الإنسانية، وفيه أيضا موجات عاتية من القهر والقتل البارد والحروب والاستغلال الجنسي والاضطهاد والاختفاءات القسرية. سلوك هذا العالم الشاذ الذي نحياه فيه من الغرابة الشيء الكثير، فمع هدوء موجة اغتصاب في مناطق الحرب ينام هذا العالم وكأن شيئاً لم يكن، وكأنه يقول: حسناً انتهت المأساة ونأمل عدم تكرارها!! ومع غرق مئات في البحر من الهاربين من جحيم بلدانهم يصمت هذا العالم بعد أن تصبح لحومهم في بطون أسماك القرش!!كل هذا العالم الواسع بمنظماته الإنسانية شهد مجازر البوسنة والهرسك ورواندا وسورية والعراق وميانمار وغيرها من البقاع الجغرافية لكنه- هذا العالم- لا يزال يتفرج والناس يقتلون والأطفال يُسحقون والنساء تغتصب، لكنهم لا يستطيعون حتى الدفاع عن أنفسهم ولو بالهرب إلى مكان آمن. ألسنا في وضع جنوني، في حالة هستيرية يقودها بضعة قادة دول وميليشيات عسكرية تنفذ أجنداتها على جثث الأطفال والنساء الذين لا يملكون قلما وورقة لكتابة عريضة أو شكوى!نحن في لحظة ما لا شيء، أو لربما أقل قيمة من الهباء، لا قيمة أن يموت الناس في حوادث تفجير أو دهس من قبل مجرمين ومتطرفين، والأدهى من كل ذلك هو تعاطي العالم مع هذه الجرائم من باب رصدها وإحصائها لتكون أرقاماً في أرشيف المنظمات الدولية ومادة للكتابات اليومية. فعلاً ويقيناً، نحن في لحظة ما لا شيء، لا شيء على الإطلاق، فكما ننظر إلى موت عصفور بلا مبالاة، صرنا ننظر إلى اغتصاب امرأة أو قتل أطفال بصاروخ بأنه متساوٍ مع حالة العصفور، هكذا بلا حياء.