ما قل ودل: «اديني عمر وارميني البحر»... في كرواتيا
يقول المولى عز وجل: « وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً» صدق الله العظيم. ويقول سبحانه: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ»، ويقول أيضاً: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ».ولهذا توارث المصريون من قديم الأزل مثلاً شعبياً يقول: «اديني عمر وارميني البحر»، ويعبر المصريون بهذا المثل عن أن أصل الحياة والوجود فيها هو بإرادة المولى عز وجل، وأن استمرارها كذلك رهن بإرادته وحده.
في بحر الأدرياتيكولم يكن هذا المثل أصدق منه، عندما تلقف بحر الأدرياتيك راكبة من ركاب الباخرة «نرويجين»، الذين يبلغ عددهم 2500 راكب تقريباً، فضلاً عن أفراد الطاقم الذين يبلغ عددهم ألف فرد، وكنت وعائلتي البالغ عددنا خمسة عشر فردا، أولادي وأزواجهم وأحفادي على متنها، عندما تلقينا هذا الخبر في منتصف ليلة العودة إلى ميناء فينيسيا الذي أقلتنا الباخرة منه، وبعد أسبوع حافل بمشاهدة وزيارة الجزر اليونانية الجميلة كورفو وسانتو ماريني وميكونوس وجمهورية الجبل الأسود ودوبروفنيك، إحدى المدن الساحلية لكرواتيا، وكنا ونحن نشاهدها عند رسو الباخرة على شواطئها، نرى مناظرها الجميلة الخلابة، وهي تنتشر على سفوح الجبال الشاهقة المكسوة بالخضرة أو بين الغابات، كأنها لوحة لفنان بارع نسجها من وحي خياله الخصب، وخلال إبحار الباخرة كنا نستمتع بالموسيقى أو بمشاهدة الاستعراضات الغنائية اليومية، أو بالوجبات الجميلة طوال اليوم في المطعم الإيطالي أو الصيني أو غيرهما.ولم يكدر صفو الركاب في هذه الرحلة الجميلة إلا صوت يصدر من ميكروفون كابينة القيادة، بأن الباخرة تأسف لسقوط راكبة من الطابق الثاني عشر، وهو المخصص لأحد المطاعم ولحمام السباحة والجاكوزي والاسترخاء تحت أشعة الشمس، وكنت وعائلتي نقطن في الطابق الحادي عشر، عندما تلقينا هذا الخبر، وقد خلدنا إلى النوم، وأن الباخرة سوف تعود أدراجها إلى الموقع الذي سقطت فيه الراكبة للبحث عنها من خلال زوارقها وكشافاتها، حيث كان هذا الموقع يبعد ستين ميلاً عن أقرب شواطئ كرواتيا، وبعد ست ساعات طويلة من البحث لم تكلل جهود الباخرة بالنجاح في العثور على الراكبة الغارقة، فعادت مسيرتها إلى ميناء فينيسيا، ليصعد رجال البحث الجنائي الإيطاليين إلى الباخرة لمشاهدة كاميرات الباخرة، والمكان الذي سقطت منه الراكبة، وللتحقق من أن الحادث قضاء وقدر، وهو ما كشفت عنه الكاميرات.كرواتيا مرة أخرى وأثناء عودة الباخرة إلى ميناء فينيسيا، وبعد عشر ساعات من سقوط الراكبة، إذا بميكروفون كابينة القيادة يزف إلينا خبر عثور شرطة السواحل الكرواتية على الراكبة، وهي على قيد الحياة، وقد استرخت على مياه بحر الأدرياتيك، لتسجل هذه الراكبة البريطانية المدعوة كاي لونج سكاف فصلاً في شجاعة وصلابة وصمود امرأة، وليسجل الكروات نصراً إنسانياً لا يقل عن النصر الذي حققه فريقهم الرياضي في المونديال، وإن لم يحز على الزخم الإعلامي الهائل على مستوى العالم كله في المونديال بروسيا.وكنا وباقي ركاب الباخرة على موعد مع طائرات ستنقل الركاب إلى بلاد أخرى أو إلى بلادهم، فطارت الطائرات دون اصطحابهم، فغيّر البعض مسارهم، وغيرت كذلك خطتي للسفر إلى كارلو ديفاري للعلاج الطبيعي الذي اشتهرت به هذه البلاد، وقررت مع نجلي وأولاده العودة إلى كرواتيا. التعايش بين الكنيسة والشيوعيةودولة كرواتيا هي دولة أوروبية رائعة الجمال، تحتوي على العديد من الأماكن الطبيعية الساحرة الخلابة، ومن أهم أسباب شهرة كرواتيا غير مناظرها الطبيعية وجمالها الخلاب أنها تتميز بمناخ البحر الأبيض المتوسط القاري المعتدل، وهذه الأسباب هي ما تجعل منها مكان جذب سياحي هائلاً لكثير من الأشخاص في العديد من الدول حول العالم، ولكنها لم تحظ بما حظيت به الآن من اهتمام عربي وإفريقي وآسيوي جعلها مكان جذب سياحي من الدول العربية، ومن قارتي إفريقيا وآسيا إلا بعد وصولها إلى نهائي كأس العالم، ليلعب فريقها في كرة القدم المباراة النهائية مع فرنسا، وانبهار العالم كله وإعجابه بهذا الفريق الرائع الذي صمد وحقق الفوز على كثير من أعتى الدول في كرة القدم، حتى إنكلترا مولد هذه اللعبة، وإن لم يحالفه الحظ في الفوز ببطولة العالم في هذا المونديال.وهي إحدى دول الاتحاد السوفياتي، وكان يحكمها حزب شيوعي كسائر دول الاتحاد، يدين كغيره من أحزاب شيوعية في دول هذا الاتحاد بعقيدة لينين وكارل ماركس بأن «الدين أفيونة الشعوب».ومع ذلك فإن الكنيسة الكاثوليكية في كرواتيا ظلت تؤدي دورها الديني والتعليمي والثقافي في المجتمع الكرواتي، وتحت الحكم الشيوعي كان للكنسية علاقة صحية بالسلطة، وقد استعادت دورها البارز في حياة الناس بعد انهيار الشيوعية.الغالبية العظمى من السكان هم من الكرواتيين، وتشمل الأقليات الصرب والمجر والغجر، وأغلبية سكانها من الكاثوليك الرومان، بالرغم من وجود المسيحية الأرثوذكسية، والمسلمين، والأقليات اليهودية، ومعظمهم يعيشون في زغرب.ويبلغ عدد المنتمين إلى الكنيسة الكاثوليكية 87.8%، والأرثوذكسية 4.4%، وغيرهما من المذاهب المسيحية 0.4%، والإسلامية 1.3%، وغيرها وغير محددة 0.9%، وبدون 5.2%، وذلك حسب تعداد 2001.وتتعدد الأعراق فيها، حيث يبلغ عدد الكرواتيين 89.6%، والصربيين 4.5%، وغيرهم 5.9% (بما في ذلك مسلمو البوسنة، والهنغاريون، والسلوفينيون، والتشيك، والرومانيون)، ولكن الحس الوطني والانتماء إلى كرواتيا هو الذي يُظل كل هذه الأعراق، وكل هذه الديانات والمذاهب.