الطريقة التي عُلِّقت بها مجموعة «روايات» في متحف سرسق تجعل المشاهد إزاء عشر حكايات ترويها كوكبة مختارة من 21 فناناً يتحاورون أحياناً حول موضوع واحد، أو يتحاججون فيدحض أحدهم آراء الآخر، ويتجاهلون بعضهم بعضاً.

نُسِجَت هذه الروايات انطلاقاً من بحثٍ أُجري في أرشيف متحف سرسق. يقترح البحث، وهو ليس شاملاً على الإطلاق، حكاية مجزّأة في الزمان والمكان.

Ad

إلى جانب هذه الفصول العشرة التي تُقرأ وكأنها أبواب مفتوحة على تأمّلٍ أكثر أهمية، يُخصَّص جزءٌ للأعمال التي اشتراها المتحف وتلك التي وُهِبت إليه في الأعوام الأخيرة، وستُعرض بالتناوب. في يونيو الفائت، تسلّم متحف سرسق المجموعة المهمة للرسّام جورج داود قرم (1896-1971) في شكل وديعة، ما يسمح له بالتعمّق في الأبحاث حول هذا الفنان، ويُتيح فرصة إزاء الجمهور للاطلاع على مجموعة كاملة من الأعمال.

جورج داود قرم

ولد جورج داود قرم في عائلة جعلت من العلم والثقافة والفن همها الأول، لذا كان من الطبيعي أن يظهر منذ طفولته المبكرة ميلاً نحو الكتابة والرسم، وراح ينميهما بالتوازي، ويتعمق فيهما، وأعجب بالرسم الكلاسيكي الأوروبي وتأثر به. لكن موهبته الكتابية ظهرت إلى العلن قبل موهبته الفنية، فنشر قصيدته الأولى عام 1915، بالفرنسية التي أتقنها جيداً.

بعد الانتهاء من دروسه الثانوية ورغم عشقه للكتابة، اختار التخصص في الرسم، فسافر إلى باريس عام 1919 والتحق بالمدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة، وتخرّج فيها عام 1921.

لدى عودته إلى لبنان نال الميدالية الذهبية في معرض بيروت (1921)، وفاز في السنة التالية في مسابقة وسام لرسم الاستحقاق اللبناني.

بين 1922 و1928 شغل منصب عضو مؤسس لمتحف الآثار وعضو في هيئة التحكيم في المعهد الوطني اللبناني للموسيقى ولجنة النشيد الوطني اللبناني، وتولى رئاسة مؤتمر الآثار الدولي في بيروت عام 1926.

عام 1929 سافر مع زوجته إلى مصر وأقام في البداية في الإسكندرية ثم انتقل إلى القاهرة، وفي عام 1934 أسهم في إنشاء رابطة «المحترف»، وهو تجمع فنانين يهدف إلى تشجيع الفنون والآداب. في عام 1936، كرمته فرنسا وتقديراً لفنّه منحته وسام الأكاديمية الفرنسية برتبة ضابط، وانتخب عام 1955 عضو شرف في الجمعية الملكية للفنون في لندن.

عام 1956، عاد جورج داود قرم إلى لبنان مع زوجته، ونال عام 1958 وسام الأرز اللبناني برتبة ضابط، فضلاً عن جوائز ورتب التكريم على مدى مسيرته الفنية.

نشر عام 1966 كتابه «بحث حول الفن والحضارة في الزمن المعاصر» الذي انتقد فيه التيارين الاستهلاكي الأميركي والشيوعية الماركسية، وتبنى العودة إلى التقليد الأوروبي الكلاسيكي الإنساني، وقد اعتمده في لوحاته التي تركز على النزعة الإنسانية الروحية.

عرض جورج قرم أعماله في لبنان وأوروبا وشارك عام 1966 في صالون الربيع في باريس. توفي في بيروت في 13 ديسمبر 1971. بعد وفاته نُظِّم معرضان استعاديان لأعماله: في غرفة التجارة والصناعة في بيروت (1981)، وفي الجامعة الأميركية في بيروت بعنوان «الإنسانوية التصويرية اللبنانية» (2013).

وعي فني

اعتمد جورج قرم في لوحاته تقنية الزيت والباستيل، وركز على رسم البورتريه سواء لشخصيات مهمة في لبنان في النصف الأول من القرن العشرين، أو لأشخاص عاديين من بينهم فلاحين، كذلك اهتم برسم لوحات بورتريه له، متأثراً بوالده الذي امتاز برسم البورتريه. توثق هذه اللوحات وعي الفنان المتزايد لمكانته الاجتماعية في لبنان خلال حقبة القرن العشرين.