«ديوان النثر العربي» لأدونيس في طبعة جديدة النثرُ والوزنُ على طاولة واحدة هي الكتابة
تصدر قريباً عن دار «الساقي» في بيروت طبعة جديدة من «ديوان النثر العربي» (أربعة أجزاء) للشاعر أدونيس الذي وصفته صحيفة «ذي غارديان» بأنه أعظم شاعر عربي، كذلك هو أول أديب عربي ينال جائزة غوته لعام 2011 كـ «أهم شاعر عربي في عصرنا». تُرجم معظم أعماله إلى الفرنسية، والإنكليزية، والسويدية، والنرويجية، والألمانية، والإيطالية، والأسبانية، والتركية، والفيتنامية، واليونانية، والبولونية.
يُخرج «ديوان النثر العربي» لأدونيس النثر من سلطان الشعر، بحصر الدلالة، ومن معاييره، إذ يوضَعُ النثرُ والوزنُ على طاولة واحدة هي الكتابة. ولا يعود التفاضل يُلتمس إلا في مستوى الكتابة، نثراً ووزناً.في النثر، كما يقدّمه هذا العمل، ما يُنهي فكرةَ النموذجِ، وما يقدّم الارتباط العضوي بالحياة وبالتجربة على الذاكرة. هذا يعني أن النثر ثقافة بالمعنى العميق والواسع لهذه الكلمة. هكذا لا تقوم علاقته مع المجتمع على الحفظ، كما هي الحال في الشعر، وإنما تقوم على القراءة.يقدّم أدونيس لكتابه بدراسة حول النثر مما جاء فيها: «يصدر النثر العربي كما يبدو في هذا العمل عن ثقافة مركبة وصفها الجاحظ بأنها ثقافة الأذهان اللطيفة والتدابير العجيبة والعلوم الغريبة. وهو إذاً ظاهرة ميدينية- مدنية… يتجه النثر أساسياً إلى القارئ، فلئن كان الشعر من حيث نشأته طبيعة أو فطرة فإن النثر من حيث نشأته صناعة لكن في التطور أصبح كل منهما طبيعة وصناعة في آن».
حول النثر الصوفي الذي يبدأ به أدونيس كتابه يضيف: «هي إجمالاً أحكام سطحية، وبخاصة تلك التي يطلقها باسم العقلانية بعض المفكرين العرب، وتلك التي يطلقها باسم الدين المتدينون السلفيون، وتلك التي يطلقها باسم التقدم بعض الكتاب ممن يعمل في الحقل السياسي... كلا ليس التصوف سحراً أو شعوذة كما يرى أهل العقلانية، وليس كفراً أو مروقاً أو زندقة كما يرى أهل السلفية والأصوليات، وليس انعزالاً أو دروشة كما يرى أهل النضال والسياسة. التصوف حركة تضع أصحابها في حالة انعتاق كامل على جميع المستويات».وفي ما يتعلق بالتساؤلات التي قد يثيرها الديوان يوضح: «أنت تقول هنا بنوع من العودة إلى الماضي فيما تقول برفض الماضي كيف تفسر ذلك؟ الجواب أن المسألة في الواقع ليست مسألة عودة أو رفض إنما هي مسألة تمييز بين مستويين للنتاج الأدبي العربي، المستوى الأول هو الذي يشمل النتاج الذي تم قمعه، والكشف عن نتاج هذا المستوى وإعادة تقويمه ليسا عودة إلى الماضي بل هما دخول في حاضر لم يتح له أن يحضر.. إنهما إذاً دخول في الحركة وانخراط في المستقبل، إنهما بتعبير آخر كشف عن آنية ذلك النتاج وحضوره وحداثته، كان ذلك النتاج معزولاً سجيناً ونحن هنا نحرره ونطلقه، وكان منوماً ونحن هنا نوقظه». يضيف: «السؤال الثاني، هو الفن/ الشعر، والقصيدة مهما تحررت بتشكيل وبنية، وأنت في أطروحتك تخرج من الشكل إلى اللاشكل كيف تفسر ذلك؟ الجواب هو أن الكتابة الشعرية إعادة نظر دائمة لا في ما هو خارجها فحسب، بل في ما هو داخلها أيضاً، في الكتابة ذاتها وفي لغتها وفي فضائها معاً، إن قيمة الكتابة الشعرية الجديدة من حيث إنها تحاول أن تقول ما لم تقله الكتابة القديمة إنما هي في انشقاقاتها وتفجراتها».أما التساؤل الثالث فيتصل بالتراث والعلاقة بين الشاعر «الحديث» والشاعر القديم، والجواب أن هذه المسألة ليست فنية وإنما هي مدرسية- تاريخية تفيد في دراسة آلية التقليد. هكذا ليس التراث على الصعيد الإبداعي ملزماً، إذ ما المعيار الذي يجعل مثلاً طرفة بن العبد أو زهير بن أبي سلمى أكثر تأصلاً في التراثية من الأعشى أو الحطيئة؟ ليس هناك أي معيار تراثي، المعيار الوحيد هو الإبداعية الفنية، وبهذا المعنى ليس الإبداع تراثاً وإنما هو بداية دائمة».يتابع: «من هنا لا بد من أن نتجاوز هذه المسألة وفي هذا التجاوز يجب أن نؤكد أن العلاقة الوحيدة بين الشاعر الحديث والشاعر القديم هي أنهما يكتبان بلغة واحدة وأنهما في ائتلافهما ضمن هذه اللغة الواحدة مختلفان إبداعياً وفي هذا المستوى يتساوى الشعراء كلهم في العلاقة مع التراث، ما يبدو بينهم أنه الأكثر رفضاً وما يبدو بينهم أنه الأكثر قبولاً».
تجربة الحداثة
يضيء العنوان الذي يستخدمه أدونيس لكتابه الجديد «ديوان النثر العربي» على آراء طرحها الشاعر في كتاباته النظرية وحواراته ومقالاته ومشاريعه الثقافية بدءاً من مجلة «شعر» مروراً بـ «مواقف» وانتهاء بمجلة «الآخر»، وهذه الآراء تتعلق بطبيعة اللغة الشعرية، وبمرجعية تجربة الحداثة في الشعر العربي، وبأفق التجريب الذي تندرج فيه هذه التجربة.