غداة يوم من الاحتجاجات الأكثر دموية في البصرة، أطلقت قوات الأمن العراقية مجدداً، أمس، النار في محاولة لتفريق آلاف المتظاهرين من أمام مقر المحافظة في وسط المدينة.

ورغم الأنباء عن مقتل أحد المحتجين، لم يتمكن الجنود والشرطيون المنتشرون على أطراف المبنى من وقف موجات المتظاهرين الذين كانوا يردون برمي زجاجات حارقة وعصي.

Ad

وبعد سقوط 8 قتلى و70 جريحاً خلال احتجاجات على تردي الخدمات ونقص مياه الشرب جنوبي العراق، حولت السلطات العراقية مدينة البصرة إلى ثكنة عسكرية، وعززت عناصرها الأمنية لحماية المقرات والنقاط الحساسة، تحسباً لوقوع أعمال عنف انتقامية، وحلقت طائرات مروحية وسط انتشار كثيف للعناصر الأمنية في شوارع المدينة.

ودافع قائد عمليات البصرة جميل الشمري، أمس، عن عناصر القوات الأمنية التي تعاملت مع أحداث أمس الأول، محذرا من قيام بعض المجموعات باستخدام عصاباتها لغرض اغتيال المواطنين وإشعال فتنة داخل المدينة. وقال الشمري إن «قيادة عمليات البصرة والدولة تساند المتظاهرين بشكل غير محدود»، مضيفا أن «طبيعة تظاهرات أمس كانت غير سلمية، وهذا ما تم نشره على مواقع التواصل.

وتابع: «القوات الأمنية كانت قد هيأت الماء والورد والأعلام العراقية بهدف توزيعها على المحتجين، لكنها فوجئت بقيام مجموعة منهم برمي الرمانات اليدوية وحرق السيارات العسكرية ومبنى المحافظة والاعتداء على المواطنين». واتهم مجهولين باستخدام سيارة بيضاء اللون بمحاولة قتل مواطنين لإحداث وقيعة بين الأمن والمواطنين.

في موازاة ذلك، أعلنت رئاسة محكمة استئناف البصرة الاتحادية تولي دائرة قضاء العشار التحقيق في جرائم قتل المتظاهرين في مدينة البصرة، والاعتداء على الأجهزة الأمنية، في إطار التظاهرات التي تشهدها المحافظة التي تحمل الاسم نفسه.

وقال المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى عن رئاسة استئناف البصرة، القاضي عبدالستار بيرقدار: «حرص القضاء على أهمية الحفاظ على سلمية التظاهرات والحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم والممتلكات العامة».

استئناف

في غضون ذلك، تجددت التظاهرات الشعبية في مناطق متفرقة من محافظة البصرة بعد الاضطرابات التي شهدتها البصرة الغنية بالنفط، وأدت إلى اقتحام المتظاهرين مبنى المحافظة وإحراق طوابق من المقر الحكومي.

وشهدت ناحية الهارثة والزبير تظاهرات شعبية شاركت فيها جموع كبيرة من المتظاهرين من الشباب وشيوخ العشائر للمطالبة بتقديم الخدمات وتوفير الماء الصالح للشرب، وتقديم المسؤولين عن تأخير إنجاز مشروع ماء البصرة الكبير للقضاء.

واستؤنفت الاحتجاجات بعد أن شهدت الساعات الأولى من يوم أمس هدوءا حذرا اثر فرض السلطات حظرا على التجوال، بعد أن سقط 8 قتلى عند استخدام القوات العراقية الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع، خلال اقتحام المحتجين للمقر الحكومي.

احتواء وعطش

وشرعت الحكومة العراقية في تهدئة الأوضاع بعد أن عقد رئيس الحكومة حيدر العبادي اجتماعا ضم كبار نواب البصرة ومحافظها أسعد العيداني. وأمر بالتحقيق لكشف «من يريد إحداث وقيعة في البصرة».

بدوره، أهاب الرئيس العراقي فؤاد معصوم بجميع أبناء شعب البصرة، لا سيما المتظاهرين المحتجين، «تغليب الهدوء والتحلي بضبط النفس وتجنب التصادم مع القوات الأمنية وعدم الاضرار بالمواقع الحكومية».

ودعا القوات الأمنية إلى حماية أمن المواطنين، وضمان حق المتظاهرين في التعبير السلمي عن مطالبهم ومشاعرهم.

من جهته، دعا ممثل المرجع الديني علي السيستاني، أمس، المعنيين في الحكومتين المركزية والمحلية إلى ضرورة إيجاد حلول ناجعة وسريعة لحل مشكلة شح مياه الشرب وتلوثها في البصرة. وقال ممثل المرجعية عبدالمهدي الكربلائي: «إننا في الوقت الذي نستذكر فيه عطش الإمام الحسين وعائلته بحلول موسم الأحزان شهر المحرم، ندعو إلى ضرورة توفير المياه الصالحة للشرب لأهالي البصرة».

المالكي والأكراد

وجاء تصاعد التوتر في البصرة في وقت تشهد البلاد أزمة سياسية حادة مع عجز البرلمان عن إعلان تشكيل الكتلة الأكبر وسط تنازع بين تحالف «الإصلاح والإعمار» الذي يقوده رجل الدين مقتدى الصدر ورئيس الوزراء الحالي، وتحالف «البناء» بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقائد ميليشيا بدر هادي العامري.

وقال المالكي في معرض إجابته عن سؤال يتعلق بشروط الأكراد للانضمام إلى تحالفه خلال لقاء متلفز مساء أمس الأول: «لم نتلق شروطاً، ولم نتسلم إلا كلمة واحدة هي، نريد حل القضايا الخلافية على أساس الدستور»، مضيفا «لا نريد أن نأخذ منهم حرفاً من حقوقهم الدستورية ولا نزيدهم عليها حرفاً واحداً».

وعن موقف الأكراد الحالي من الانضمام إلى التحالفين المتنافسين على تشكيل الكتلة الأكبر، اعتبر المالكي أن الأكراد «لا يريدون الآن أن يكونوا طرفاً في القضية التي نعاني منها، وبقوا على الحياد»، لكنه أشار إلى أن «الحياد لن يكون إلى النهاية، إنما في لحظة مقبلة وعلى ضوء البينات والمصالح والرؤى والكتلة التي نصادق على أنها الأكبر، أعتقد أن الموقف الكردي سيتغير».

وكان المالكي أكد في وقت سابق، أن «البناء» الذي يضم 145 نائباً هو الذي سيشكل الكتلة النيابية الأكبر، في حين أكد رئيس الحشد الشعبي المقال، فالح الفياض، أن التحالف بانتظار انضمام الأكراد.

دعوة علاوي

وفي ظل احتدام الصراع بين القطبين الشيعيين المتنافسين على تشكيل الكتلة الأكبر، دعا زعيم ائتلاف الوطنية، اياد علاوي، إلى اجتماع عاجل بين عناصر محددة من تحالفي «الإصلاح والإعمار» و«البناء» والأكراد للتوصل إلى حلول منطقية لإخراج البلاد من الأزمة والحيلولة دون تطورها حفاظا على سلامة واستقرار البلاد والسلم الأهلي.

وأكد علاوي أن «المهم هو التوصل إلى اتفاق حول شكل ونوع البرنامج الحكومي، وأن يكون بعيداً عن الأسماء والمناصب والألقاب».

في سياق منفصل، وصل وزير الداخلية الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي أمس، إلى العاصمة العراقية بغداد على رأس وفد سياسي وأمني رفيع المستوى، لإجراء مباحثات مع نظيره قاسم الأعرجي تتناول إجراءات زيارة الإيرانيين للعتبات المقدسة في العراق والقضايا الحدودية بين البلدين.