قبل رحيله بسنوات قليلة كان المرحوم د. أحمد الربعي يصف حالة الساحة السياسية والإعلامية في الكويت بـ"حفلة الزار"، وأنا أستعير منه ذلك التعبير، بأن الكويت مازالت في حفلة زار لا تبرد "طِيرانها"، فالبلد يعيش من قضية إلى قضية، ومن مشكلة إلى مشكلة، ومن صراع إلى صراع، ومن فضيحة إلى أخرى.
صراعات عنيفة بالديرة تستخدم فيها كل الوسائل المتاحة، دون أي رادع أخلاقي أو اجتماعي، من شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام، بجميع وسائله؛ المرئية والمقروءة والمسموعة، في وضع يتكاثر "المرتزقة" بكل تلك الوسائط، لتقديم خدماتهم بـ"خشم الدينار"، ليكونوا وقوداً لأي طرف في الصراع، بكل المجالات السياسية والاقتصادية والرياضية. فمثلاً عندما فُرض الحظر على الرياضة الكويتية اندلعت صراعات واتهامات متبادلة بين عدة أطراف، وكذلك عندما رُفع الحظر عن الرياضة اشتعلت صراعات أخرى، وبسبب ذلك أصبح حفنة "تافهين"، من دون خبرات في مجالاتهم، خبراء ومنظِّرين في كل شيء.مواجهات دائمة بكل ما هو متاح من أدوات صِدام وتصارع، فذاك ينشر صوره مع مرجع مهم، فيردُّ عليه الآخر بصور مع مرجع آخر وهو "فاشخ" الحنك بضحكة عريضة، ووثائق تُسرب، وشخصيات واجتماعات في فنادق وشقق ومزارع وإسطبلات يحكى عنها، وفضائح عن صور حميمية لشخصية في سهرة خاصة، ونشر وثائق شخصية لإعلامي للتهكم على أسماء عائلته... شيء مقزز ووضع متدنٍ، لا يمكن قبل سنوات أن يصدق أحدٌ أن المجتمع الكويتي الصغير والمتعاضد سيصل إليه.في أميركا، وهي دولة عظمى، وقع حدث ضخم بإدانة محامي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قضايا التلاعب المالي والانتخابي، فانشغل المجتمع الأميركي لعدة أيام على وسائل التواصل الاجتماعي بالقضية، ثم انصرف الناس لأعمالهم، وتركوا للمؤسسات القانونية والدستورية متابعته، وللصحافة والإعلام تحليله ونشر تفاصيله، بعكس ما يحدث عندنا، حيث تظل المواضيع محل تقاذف ونزاع وفجور في الخصومة بلا نهاية.معظم الناشطين في الكويت والمهتمين بالشأن العام، وأنا أحدهم، يطالبون بأن يعدل قانون الجرائم الإلكترونية وتخفف عقوباته، لكن ما يحدث في مجتمعنا من صراعات يغذيها البعض من تطاول على الأعراض والحريات الشخصية ونشر الوثائق الخاصة بالأفراد والأسر يجعلنا خائفين بالفعل مما يحدث، بسبب الوضع الذي أصبح عليه شكل التنافس في الكويت على منصب أو سلطة في جو مسموم تسوده نزعة مجنونة في المجتمع، وخاصة من الكبار، بالاستحواذ على كل شيء وتوريثه، وجعل البلد على صفيح ساخن، بسبب طمعهم، والفجور في خصوماتهم.* "الطار هو الدف بالعامية الكويتية، وجمعه طِيران"
أخر كلام
حفلة زار... لا تبرد «طِيرانها»!
06-09-2018