كيف تحاول الصين الهيمنة على الشرق الأوسط؟
يبدو أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين بدأت بتحديد العلاقات الثنائية بين البلدين في الفترة الراهنة، ومن ازدياد حدة الحرب التجارية إلى وصف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصين على أنها «منافس استراتيجي يسعى إلى تقويض قوة ونفوذ الولايات المتحدة» يبدو أن العلاقات السياسية والاقتصادية تردت إلى مستوى واضح في الآونة الأخيرة.ولكن المنافسة بين الدولتين الأكثر قوة على الصعيدين العسكري والاقتصادي ليست مقتصرة على الجوانب الجيوسياسية، وقد أشارت الصين الى نيتها رسم المعالم الإقليمية والعسكرية في الشرق الأوسط من خلال علاقات تجارية مع دول إقليمية وعبر استعراض قوتها الحربية. وفيما يلي ثلاث مناطق يتعين مراقبتها لرؤية مشاركة الصين بقدر أكبر في توترات مع الولايات المتحدة.
1 – تحول إيران إلى نقطة محورية في الحرب التجاريةيعتبر النفط الخام سلعة استراتيجية مستوردة بالنسبة الى بكين، وتأتي دول الشرق الأوسط في المركز التالي بعد روسيا في تزويد الصين بهذه المادة، وباعتبارها أكبر مستهلك للمواد البترولية في العالم مع تراجع إنتاجها النفطي المحلي تهدف الصين الى توسيع طاقتها التكريرية والتخزينية من أجل خفض انكشافها على تقلبات أسواق الطاقة العالمية. ويهدد هدف الولايات المتحدة الرامي الى إيصال صادرات إيران من الخام إلى الصفر استراتيجية الصين المبنية على الاستيراد وتظهر كل المؤشرات أن بكين– وهي أكبر مستورد من إيران– ستتجاهل العقوبات الأميركية وستستمر في التعامل التجاري بشكل عادي الى حد كبير، وتهدف طهران أيضاً الى أن تصبح حجر الزاوية في مبادرة الحزام والطريق الصينية مع وصول الاستثمارات الصينية في البنية التحتية في إيران إلى 8.5 مليارات دولار على شكل قروض من بنك التصدير والاستيراد الصيني حتى مطلع سنة 2018.ومع إعادة فرض عقوبات ثانية بصورة تامة على إيران في شهر نوفمبر المقبل تهدد طهران بالتحول الى نقطة محورية في الحرب التجارية الوشيكة بين الصين والولايات المتحدة التي تنطوي على مضاعفات خطيرة محتملة، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار النفط في العام المقبل نتيجة توقف صادرات النفط الإيرانية مما يرفع من تكلفة المنتجات المختلفة على الرغم من أن ذلك سيؤثر في الاقتصاد الأميركي.والأكثر من ذلك، ونظراً لأن مشتريات النفط الإيراني ستتم عبر بنك إيران المركزي الذي يخضع للعقوبات الأميركية فإن بنك الشعب الصيني سيخضع لعقوبات ثانية من الولايات المتحدة، وسيرد بنك الشعب الصيني بخيارات عقابية مماثلة بما في ذلك خفض قيمة العملة الصينية الرينمنبي تستهدف الشركات الأميركية بأنظمة عقابية، أو بالخيار النووي عبر بيع بعض سندات الخزينة الأميركية بقيمة 1.2 تريليون دولار تملكها الحكومة الصينية. وقد أفضت التوترات التجارية الأوسع والتهديد بفرض تعرفات على مستوردات النفط الأميركي في وقت سابق من الشهر الماضي الى تفادي المشترين الصينيين للخام الأميركي، كما أن العقوبات الثانية المرتقبة في شهر نوفمبر يمكن أن تصبح نقطة جديدة نحو مزيد من التوترات.2 – الآجر الصيني في موزاييك الخليجالمشاركة الاقتصادية والعلاقات الأمنية هي واجهات رئيسة لروابط الصين مع دول الخليج العربية، وتحاول بكين استخدام الأعمال التجارية من أجل تحقيق توازن في التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران. وعلى سبيل المثال، تجاوزت الصين الولايات المتحدة كأكبر شريك تجاري للسعودية في العام الماضي وهو ما جعلها تتصدر الجانب التجاري مع كل من الرياض وطهران، وفي سنة 2017 أيضاً وقع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز مذكرات تفاهم بقيمة 65 مليار دولار في بكين، وبدأ الجانبان بتنفيذ اتفاقيات تقنية وبتروكيميائية وفي قطاعات أخرى، والأكثر من ذلك اختارت الرياض الصين لاستضافة اكتتاب شركة أرامكو السعودية، ولكن ارتفاع الأسعار دفع بكين الى خفض مستورداتها من الخام السعودي في العام الجاري.وتحذر الصين من المضي بقوة في العلاقة مع السعودية أو إيران خشية تنفير إحداهما، كما أن السؤال الأساسي سيكون: هل ستتابع بكين مشاريعها الاستثمارية مع الرياض بعد فرض الشريحة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران؟ وقد حاول دبلوماسيون صينيون إقامة روابط بين مبادرة الحزام والطريق الصينية ورؤية 2030 السعودية على الرغم من أن القلق من أنظمة الحكومة السعودية الغامضة قد يحد من التعاون بين الرياض وبكين. وإضافة الى السعودية تعهدت الصين بتقديم 23 مليار دولار على شكل مساعدة تنمية الى المنطقة خلال منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، كما قام الرئيس الصيني شي جين بينغ أيضاً بزيارة دولة الإمارات العربية في الشهر الماضي لبحث التعاون الاقتصادي والأمن الإقليمي. ويرجع ذلك الى أن ما يصل الى 60 في المئة من تجارة الصين مع أوروبا وإفريقيا يمر عبر دولة الإمارات، ويضاف الى ذلك أن علاقات الصين مع دول الخليج العربية واعدة من الوجهة الاقتصادية وقد تشير الى زيادة قبول نفوذ بكين في ذلك الجزء من العالم.
الصعيد العسكري
وقد زادت الصين على الصعيد العسكري في الآونة الأخيرة من دورياتها البحرية على مقربة من خليجي عمان وعدن، كما أن بكين أقامت أيضاً قاعدة في جيبوتي بهدف حماية المصالح الاقتصادية والتجارية في المنطقة، وربما تمهد لبناء عسكري في الأجل الطويل، وفي وسع بكين أيضاً تأدية دور بناء في مهمات بحرية تهدف إلى محاربة القرصنة والتهريب على الرغم من أن الولايات المتحدة وقواتها البحرية ستراقب بالتأكيد تلك التطورات عن كثب.وعلى أي حال، فإن رغبة بكين في التعامل مع إيران قد تمثل مشكلة بالنسبة الى التعاون على الصعيد الأمني حتى مع تعزيز بكين لحضورها العسكري، وكانت علاقات الصين مع إيران منعتها من الاقتراب من الدول العربية بشكل يمثل تحدياً للولايات المتحدة كقوة أمن مهيمنة في المنطقة، ومادامت الصين قريبة من إيران فإن من غير المحتمل أن تتوجه السعودية ودول الخليج الى بكين لشراء طائرات مسيرة وغيرها من الأعتدة الحربية في الأجل القصير.3 – روسيا والصين... تنافس أم تعاون؟يستحق دور روسيا كقوة خارجية أخرى في المنطقة النظر والاستعراض، وقد حجزت موسكو مقعداً بارزاً على شكل قوة عظمى في سورية، حيث حاولت خفض التوتر بين إسرائيل وإيران والحكومة السورية على حدود ذلك البلد الجنوبية، وكان نجاحها في هذا الجهد موضع شك ولكن وساطة الرئيس فلاديمير بوتين بين إسرائيل وإيران غدت مدار بحث في الكرملين.كانت الصين تعمل الى حد كبير بالتنسيق مع روسيا في سورية، واستمرت في دعمها للرئيس بشار الأسد والحيلولة دون التدخل في الأمم المتحدة منذ بداية الأزمة في ذلك البلد، وفيما يمكن لبكين القيام بدور بارز في عملية إعادة الإعمار في سورية ليس من الواضح ما إذا كانت ترغب في القيام بذلك.ويظل دعم الصين وروسيا لإيران ضمن حدود وليس من الواضح ما إذا كانت أي دولة منهما ستدعم انضمام إيران الى منظمة شنغهاي للتعاون على سبيل المثال، ولكن سياسة طهران ستظل أداة بالنسبة الى الدولتين في مواجهة الولايات المتحدة.وتعتبر مبادرة الحزام والطريق فرصة مثيرة للاهتمام لرؤية ديناميكية روسيا والصين كما أن استثمارات بكين في البنية التحتية في قطاع الطاقة يمكن أن تعزز قدرة إيران على تصدير الغاز الطبيعي المسال بعد خروج الشركات الأوروبية على الرغم من أن العقوبات الثانية ستعرقل احتمالات دخول ايران الى الأسواق الأوروبية. وتكتفي روسيا بوضعها الراهن وستحاول إبقاء تدفق الغاز الطبيعي المسال من إيران نحو الشرق من أجل الحفاظ على سيطرتها على أوروبا، ويناسب هذا الترتيب موسكو وبكين، وعلى أي حال تستخدم الصين إيران من أجل تطوير طرق مبادرة الحزام والطريق للالتفاف على روسيا.من جهة أخرى، يمكن لاستمرار الدعم الصيني أن يقوض هدف السياسة الأميركية الرامي الى احتواء جهود طهران لتوسيع نفوذها في المنطقة، ومن منظور استراتيجي يتعين على الولايات المتحدة النظر فيما إذا كان إبعاد إيران كمصدر بديل للطاقة– وخصوصا الغاز الطبيعي- إلى أوروبا سيفيد روسيا ويعرقل هدف توحيد الحلفاء الأوروبيين ضد الكرملين.● أوين دانيلز