نقطة: دماء على الأسفلت
إضافة طفل واحد إلى أرقام معدل وفيات حوادث السيارات السنوي المرتفع لن يؤثر بهم، يجب أن ننتظر أن يصاب أو يتوفى ابن أي مسؤول كبير جداً في حادث أليم، لتنظر حكوماتنا المتعاقبة بجدية وحزم في أزمة الشوارع، لا نتمنى الشر لأحد، لكن هذا ما تعودنا عليه، مثلما حدث سابقاً في قضايا عامة كثيرة، حيث لا يتم التحرك إلا إذا وصلت النيران إلى أطراف ثوبهم.لا يمكنك إصلاح شيء لا تستخدمه، فأنت لا تعلم بوجود المشكلة أصلاً، وهذه مشكلة أخرى في حد ذاتها، وهذا هو صلب معاناتنا معهم، فالمسؤولون عنا لا يعيشون حياتهم اليومية مثلنا، فلهم مطاراتهم الخاصة ومعاملاتهم تصل إليهم جاهزة للبيوت، والمواكب تسهّل دربهم، وغير ذلك، لذا فهم لا يعانون مثلما نعاني ونتعب، ومع هذا مطلوب منهم إدارة حياتنا وتحسين جودتها وإيجاد الحلول لمشاكلنا التي يقرأون عنها في الصحف، هذا إذا قرأوا.
الشوارع هي شرايين أي بلد، ولا تترك لتعمل بالتسيير الذاتي و"عالبركة" هكذا، فلها علوم قائمة بذاتها وأبحاث ودراسات ترصدها وتسعى إلى تطويرها، إلا شوارعنا، فهي "كالسفاري بارك" تحت رحمة الله فقط، ولا أحد يتحمل مسؤولية تنظيمها وإدارتها وصيانتها كما يبدو، فضلاً عن وجود رؤية مستقبلية لها في ضوء النمو السكاني والعمراني، فإذا كان فساد وسوء إدارة الملفات والمرافق الأخرى خفياً إلا على المتعاملين وذوي الاختصاص مما يسمح بالمماطلة والإنكار، فإن فساد وسوء إدارة الشوارع واضحان للعيان، وأكثر القضايا العامة عمومية، فأمامكم أسراب من آلاف سيارات الأجرة الجوالة تملأ الشوارع طوال اليوم بلا تحكّم ولا تنسيق في مواعيد إطلاقها ولا تدريب للسائقين، ولا معايير للأمن والنظافة، كما هو واضح، وغالباً لا تعدو العملية عن كونها تجارة إقامات مقنّعة، كما تنافسها ثلاث شركات للنقل العام حتى الآن، تتنافس بدورها - بضراوة - فيما بينها، حيث تعمل بلا تنظيم ولا توزيع للخطوط، فتتسابق وتتزاحم قطعان حافلاتها المتهالكة الملوثة للبيئة، والتي لا أظن أي جهة رسمية تحدد عددها أو تنظم مواعيد نزولها للشوارع ووصولها للمحطات، وتتصارع على تحميل الركاب من محطات انتظار غير صالحة للاستعمال الآدمي، تحت ظل درجات حرارة لا يمكن تحمّلها، كل هذا وغيره أدى إلى انصراف الناس عن النقل الجماعي والاتجاه إلى القيادة وتملّك السيارات، في ظل عدم وجود معايير واضحة وصارمة من جهة أخرى في تعيين المستحقين للحصول على رخص القيادة، كل هذه الأسباب مجتمعة وغيرها مما لا نعلم بالترافق مع انعدام التنظيم الأمني لها، حيث صرنا نلاحظ ظاهرة انتشار الدوريات و"السياكل" بلا أفراد، أدت بدورها إلى تفاقم أزمة المرور في السنوات الأخيرة، أما قصة إنشاء الجسور والأنفاق والتوسعات الجديدة واستباحة حارة الأمان، فإنها لن تحل المعضلة المرورية ما لم يتم النظر إليها بشكل شامل وجاد، وستظل مجرد حلول ترقيعية وتأجيلية، فحتى الجسور والأنفاق ستزدحم غداً في ظل هذه العشوائية، طال عمرك عزيزي المسؤول عن جميع الجهات التي يفترض أنها مسؤولة عن الشوارع، إذا كان منزلك قريباً من مقر عملك وتذهب بموكب وترجع بمثله، فلن تفهم ما أقول، اخرج يوماً بمفردك لإنهاء أعمالك، وأراهنك بأنك سترجع إلى بيتك لتكتب مقالاً تتنقد فيه رفاقك المسؤولين.. هذا إذا كنت تعرف تكتب.