«المكان» لإملي نصرالله... سيرة ذاتية ترسم أهمية المكان في أدبها

• مشاهد من مجتمع القرية وأضواء على تقاليد مسكوت عنها

نشر في 09-09-2018
آخر تحديث 09-09-2018 | 00:08
قبل أن تترك الدنيا وبمبادرة وفاء لكل من كان له أثر سواء في حياتها أو في مسيرتها الأدبية، كتبت الأديبة إملي نصرالله «المكان»، سيرة ذاتية روت فيها محطات من حياتها وأعادت رسم شخصيات ومشاهد من قرية الكفير الجنوبية حيث ولدت وترعرعت وملأت عينيها من منظر جبل الشيخ المطل على منطقة النبطية، وفي نوفمبر 2017، قبل وفاتها بأربعة أشهر (مارس 2018)، سلمت مخطوطة كتابها إلى «دار قنبز» التي بادرت بالتعاون مع ابنتي نصرالله إلى إصدارها في ثلاثية في عنوان «المكان»، وأطلقتها بالتعاون مع كلية الاداب والعلوم في الجامعة الأميركية في بيروت، وذلك في قاعة معهد عصام فارس في حضور حشد ثقافي واجتماعي وإعلامي.
«المكان» آخر كتاب للأديبة إملي نصر الله قبل رحيلها، وأول سيرة ذاتية لها، تمحور حوله احتفال «دار قنبز» الذي بدأ بالإعلان عن طابع بريدي تذكاري يخلد ذكرى الراحلة بالتعاون مع «ليبان بوست» ممثلة بخليل شبير.

قدمت مديرة «دار قنبر»، الناشرة للكتاب نادين توما، عرضاً لسيرة نصر الله مترافقة مع مقاطع مصورة لها في موضوعات مختلفة. وتناولت من ثم المخطوطة التي نشرت إملي نصر الله على صفحاتها ما اختزنته ذاكرتها من عوالم الطفولة في قريتها الكفير، وشكلت كتاب «المكان» الذي ضمت الكاتبة بين دفتيه سيرتها الذاتية.

تابعت توما، مع عرض مقاطع مصوّرة، كيف أن الكفير حيث نشأت نصرالله، او «جورة السنديان» كما تلقبها، هي المكان الذي تجري فيه الأحداث والحكايا في ضيعة فلاحين تحكمها تقاليد اجتماعية أصيلة وأخرى جائرة في حق المرأة، تكشف الكاتبة عيوبها المسكوت عنها وشبكة العلاقات الإنسانية التي تحيط بها.

أضافت: «كتاب «المكان» تحول عبر رؤية ناشر «دار قنبز» إلى مشروع فني توثيقي وتربوي متكامل.

أهمية المكان

في مداخلته، استعرض الكاتب الألماني هارتموت فندريش، مترجم روايات وأعمال نصر الله إلى الألمانية، مراحل كتاباتها وتعلقها وتأثرها بالأماكن أو المكان الذي عاشت فيه أو تركت أثراً في أعمالها مثلما أثر المكان في ميخائيل نعيمة وكتاباته، كذلك تأثر الكاتب المصري نجيب محفوظ بالمكان، ودارت أحداث رواياته في«المكان» وكان لها بعد أدبي عالمي حاز على أساسه جائزة نوبل.

واثنى الكاتب الألماني على أعمال نصر الله وبعدها الإنساني والاجتماعي وأثرها في عالم الأدب وشكر القيمين على هذا العمل.

أما الكاتبة والمؤرخة طفول أبو حديب، فعرضت من خلال الصور والخرائط والرسوم البيانية، لبدايات القرن الماضي والزمن التاريخي لاحداث «المكان» وما رافق ذلك من تطورات على صعيد العالم والقارات، أو على صعيد المنطقة ولبنان.

وختم الاحتفال بتوقيع الكتاب من خلال ختم خاص حمل توقيع إملي نصرالله على «الثلاثية»، كذلك افتتح «بيت طيور أيلول» في مسقط رأس الأديبة في الكفير، وهو مركز ثقافي مفتوح لكل من يريد التعمق بدراسة أدب إملي نصرالله.

ثلاثية المكان

كتاب «المكان»: يستكمل مسار إملي نصرالله الأدبي منذ صدور كتابها الأول «طيور أيلول» (1952)، تستحضر فيه سيرتها الذاتية وأماكن طفولتها ومحطات من مسيرة اسرتها من بينها هجرة جدها، وأقاربها، ويتضمن تأملات في الطبيعة والإنسان والموت والإيمان وشغفها بالعلم والكتابة. يحتوي الغلاف صورة جبل الشيخ الذي تفخر إملي نصرالله بأنها كبرت تحت فيئه.

«معاني المكان» معجم بحجم كتاب جيب (277 صفحة): يضمّ حوالى 240 صورة فوتوغرافية و67 رسمة فنيّة وشرحاً لـ 240 مفردة ومصطلحًا ومعلومات تتعلّق بتاريخ المنطقة وجغرافيتها في ثلاثينات القرن الماضي، وعادات اجتماعية سادت قرى لبنان في تلك الفترة.

مطوية بحجم ملصق تضم: «خريطة مكانكم» « هي خريطة الهجرة الداخلية لرسم حركة الانتقال بين المناطق داخل البلاد كالهجرة من الأرياف إلى المدن أو إبان الحروب، و«خريطة هجرتكم»، هي خريطة المهجر الذي انتشر فيه اللبنانيون. الهدف منهما مساعدة القارئ ليحدد مسار هجراته.

«جورة السنديان»

كان كلّ ما حولها ينبض بالحرية والحياة:

العصافير والطيور المرفرفة في السماء، الفلاحون وأصواتهم الهادرة فوق الربى ترجع أصداءها الأودية وتنقلها الرياح. والرياح حين تعصف من كل صوب، يجيء صفيرها من أعماق الحِمى عند فتحة الوادي القِبليّ حيث يهدر النهر الشتويّ في ذروة الأيام الماطرة، ثم يهدأ ويتلاشى قطرة، قطرة. والغيوم الشاردة في كل صوب تُكمل عالمها وتضيف الحركة إلى جمود الأيام.

كانت تهوى مطاردة الغيوم. تتأملها ساعات من دون ملَل، ترسم معها الأشكال الغربية أو تتعلم منها الرقص والحركات الإيقاعية.

تشعر بأن كيانها الضئيل الذي يكاد لا يكون، له ظل فوق الأرض وهو متصل بالمجرات والأكوان البعيدة، وبعوالم غامضة قائمة خلف آفاق القرية الصغيرة.

ظلّت الطبيعة تُسحرها في كل الفصول. وسيشكّل انصرافها إلى التأمل مساحة خاصة في حياتها.

لم يكن للطبيعة من حولها حدود بينما الوضع مختلف بين الناس في العائلة أو في المجتمع القرويّ الأوسع.

حالما تخرج من الباب كانت ترتمي في أحضان الطبيعة. فالبيت المتواضع الصغير يطلّ على القرية من جهته الشرقية؛ أما من الجهة الغربية فحدوده بساتين الزيتون وحقول القمح..

* مقتطف من «المكان»

«كتاب «المكان» تحول عبر رؤية ناشر «دار قنبز» إلى مشروع فني توثيقي وتربوي متكامل
back to top