فتيل الشرق الأوسط يشتعل مجدداً
بعد أشهر عدة من أعمال العنف المتقطعة والتوتر المعتمل تحت الرمال، يبدو أن الشرق الأوسط على شفير ثورة عنيفة جديدة، وما من قوى خارجية تملك مصالح أو نفوذاً لتطفئ اللهب، وقد بدأ الدخان يتصاعد بكثافة من ثلاثة مواقع حامية هشة.غرّد الرئيس ترامب منذ أيام بأنه "يجب ألا يهاجم الأسد بتهور محافظة إدلب. يقترف الروس والإيرانيون خطأ إنسانياً جسيماً بمشاركتهم في هذه الكارثة الإنسانية المحتملة، قد يموت مئات الآلاف من الناس. لا تدعوا هذا يحدث!".يا لها من رسالة غريبة! يشير إخبار الأسد بضرورة عدم مهاجمة إدلب "بتهور" إلى أنه لا بأس من مهاجمة هذه المحافظة بعد دراسة، ولا نملك في الواقع الكثير من النفوذ اليوم ولم نفعل في السابق، حتى عندما كانت فرق الجيش الأميركي تجوب الشرق الأوسط وكان القادة والدبلوماسيون المخضرمون يعقدون الاجتماعات بغية التخفيف من وطأة الاعتداء، أو ردعه، أو نزع فتيله. نتيجة لذلك، تُعتبر جهود إدارة ترامب الأخيرة عابرة في أفضل أحوالها.
في المرات السابقة التي ثارت فيها هذه المنطقة، حاولت أحياناً القوى الخارجية (سواء كانت الولايات المتحدة، أو روسيا، أو الأمم المتحدة، أو جامعة الدول العربية، أو تركيبة ما من اللاعبين) التدخل لقمع العنف، لكن هذه القوى تملك اليوم نفوذاً محدوداً أو دوافع مختلطة، وهل من أمل في حل هذه المعضلات؟ تبدو الفرص ضئيلة.أفادت وكالات أنباء عدة في الأيام الأخيرة بأن إسرائيل شنت هجمات، ولطالما خشيت إسرائيل بروز "الهلال الشيعي"، تلك الكتلة المتجاورة من الأراضي التي تمتد من إيران عبر العراق وصولاً إلى سورية وما بعدها على الأرجح، ولا شك أن انتشار صواريخ بالستية في العراق يصل مداها إلى إسرائيل والسعودية يؤجج هذه المخاوف.من هذا المنطلق، لا أهمية لمدى صحة الرواية عن الصواريخ الإيرانية في العراق، فإذا كانت صحيحة، فقد تحفّز ضربة استباقية تشنها إسرائيل، وإن لم تكن كذلك، فقد تساهم في إضفاء شرعية على ضربة قد تشنها إسرائيل مستبقةً بذلك أي عمليات تسليم أسلحة مماثلة. ينشأ هنا السؤال: نظراً إلى الوجود الأميركي في العراق، هل تذهب إسرائيل إلى هذا الحد من دون إذن واشنطن؟ تذكر هيئة البث العامة الإسرائيلية KAN أن المسؤولين الأميركيين أشعلوا ضوءاً أحمر كبيراً في وجه تل أبيب، طالبين من مسؤولي الدفاع الإسرائيليين: "اتركوا العراق لنا!".لا نعرف وفق هذا التقرير ما إذا كان ضوء الإيقاف الكبير هذا قد جاء من وزارة الدفاع الأميركية، أو وزارة الخارجية، أو البيت الأبيض، أو ما إذا كانت ترامب سيصغي إلى صديقه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ويقتنع بتبديل الضوء إلى أخضر؟أما كيفية تعاطي ترامب مع مجموعة من الصراعات المتجددة في المنطقة، فمسألة مختلفة بالكامل، إذ لا تملك إدارته أي سياسة بخلاف بعض العبارات المستهلكة الغامضة ولا أي تكتيكات دبلوماسية ولا أي إستراتيجية حتى وفق التعريف الأكثر شمولية لهذه الكلمة. وإذا استخلصنا العبر من الأزمات السابقة، ندرك أنه من غير المرجح أن يكون مجلس الأمن القومي عقد اجتماعاً على مستوى الحكومة بشأن هذه المسألة.نُشرت مقتطفات دسمة من كتاب بوب وودوارد الجديد "الخوف: ترامب في البيت الأبيض" في صحيفة واشنطن بوست. وتبدو المعلومات التي يكشفها مذهلة، مع أنها لا تشكل مفاجأة كبيرة، حيث أخبر وزير الدفاع جيم ماتيس صديقاً أن ترامب يملك فهم "ولد في الصف الخامس أو السادس". كما وصفه كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي بـ"غير المتزن" و"الغبي"، حتى أن بعض المساعدين أخذوا مجموعة من الأوراق الخطيرة الخاصة بالسياسة من مكتبه كي يحولوا دون توقيعه عليها. نجم الكثير من هذه الملاحظات من تعاطي ترامب مع مسائل بسيطة نسبياً. لكن الشرق الأوسط بعيد كل البعد عن هذه البساطة، فتحقيق السلام فيه شبه مستحيل (في حين ظن ترامب أن هذه مسألة سهلة، فكلف بها جاريد كوشنر).في معظم الحالات، يقتصر أقصى ما تستطيع الولايات المتحدة أو أي قوة خارجية أخرى فعله على إطفاء القليل من عيدان الثقاب التي تشعل المنطقة، حتى الأشخاص الأذكياء جداً الذين يعرفون ما يفعلونه يواجهون صعوبة كبيرة في التعاطي مع هذه المسألة، لذلك من الضروري إبقاء إنسان غبي غير متزن يملك تفكير ولد في الصف السادس بعيداً. دعوه يلعب الغولف قدر ما يشاء.* فريد كابلان* (سلايت)