هل البصرة... البداية؟!
ليست البصرة وحدها، ولا العراق دون غيره، بل مدن ودول عربية أخرى، عبارة عن قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وكل هذا الذي يجري في ليبيا واليمن وسورية يدل على أنّ هناك "تكوينات" غير صحيحة لتشكل دول ما بعد انهيار الدولة العثمانية، وبعدما تقاسم البريطانيون والفرنسيون إرث هذه الدولة، وإرثاً آخر؛ إنْ في غربي الوطن العربي أو فـي شرقـه... والأيام قادمـة وسنرى مـا الـذي سيحدث فـي هـذه المنطقـة... والله يستر!كانت الخطيئة التي ارتكبت في العراق في عام 1958 هي أن اللعبة الدولية التي انطلت على العراقيين كانت إسقاط نظام غير دموي، من المفترض أنه تم الإجماع عليه، مع مجيء فيصل الأول، الذي خلفه أولاً الملك غازي ثم الملك فيصل الثاني، واستبداله بحكم جنرالات كانت أصابتهم عدوى الانقلابات العسكرية مبكراً، ولعل ما دفع ثمنه العراقيون لاحقاً أن أحدهم قد حُسب على الاتحاد السوفياتي والحزب الشيوعي، في حين أن الذي خلفه بانقلاب عسكري أيضاً قد اعتبر "قومياً"! وحُسب، وإنْ لفترة قصيرة، على الحكم الناصري في مصر، وخلفه شقيقه بعد تفجيره بطائرة "ملغمة"، وإنْ لفترة عابرة قصيرة، وقام بدوره بتسليم "الأمانة" لانقلاب جديد كان مجرد حلقة في سلسلة طويلة.
وهكذا، فإن العراق، الذي كان قد دخل هذه الدائرة النارية مبكراً، إلى أن حصل في هذا البلد العظيم ما حصل في عام 2003، قد عاد إلى "صفويين" جددٍ أسوأ كثيراً من "صفويي" مرحلة تاريخية كانت ظلامية بالفعل، مما فرض عليه تشرذماً طائفياً ومذهبياً مفتعلاً. كل هذا في حين أن الحقيقة هي أن بلاد الرافدين العربية قد أصبحت تحت احتلال فارسيٍّ بغيض، ربما أنه من بين أسوأ الاحتلالات التي عرفها التاريخ!وهنا، فلعل ما لا نقاش فيه أن هذا هو الذي يجري في سورية "قلب العروبة النابض"، وهو الذي يجري في اليمن.. وهو الذي بات يعانيه لبنان، وإنْ بأشكال متعددة ومختلفة، ثم إنه غير مستبعد أن نكتشف ذات يوم قريب أو بعيد أن هذا هو الذي يجري في ليبيا... اللهم إلا إذا ساعدت هذه الصحوة القومية العراقية على إسقاط هذا النظام الإيراني، الذي يحلم "أصحابه" باستعادة "أمجاد" فارس القديمة!ويقيناً، ورغم كل هذا الظلام الدامس الذي بات يغشى هذه المنطقة بمعظمها، إن لم يكن يغشاها كلها، فإنه يمكن اعتبار أن هذا الذي جرى في البصرة، هو في حقيقة الأمر بداية واعدة بالنسبة إلى العراق العظيم، بلد المفاجآت السارة دائماً وأبداً، وهو أيضاً صحوة قومية عربية، إذ كانت «ذي قار» الخطوة الأولى نحو القادسية، وكانت «مؤتة» الخطوة الأولى نحو اليرموك، وكان عبور البحر نحو الأندلس الخطوة الأولى نحو «بواتيه»... ولعل ما يجب أن أقوله في النهاية أنني «حالم» بالفعل، ولكن ما العيب في هذا، مادامت حركة التاريخ كلها عبارة عن سلسلة أحلام بعضها جميل وبعضها مرعب!