تَخفِّي صغار الشعوبية برداء العلمانية
كل إنسان منصف متجرد يطّلع على تاريخ البعثة النبوية يعجب من الانقلاب العظيم الذي أصاب العرب، فنقلهم من حال إلى حال، فمن بعد أن كانوا أمة تابعة ممزقة مهلهلة غارقة في الأمية لا تقرأ ولا تكتب ولا يلقى لها بال، تحولوا إلى أمة متبوعة تقود العالم وانتظموا في عقد مهيب من العقائد والشرائع التي رسمت لهم جوانب الحياة من أدناها إلى أعلاها.
حدث لا مثيل له وقع في تاريخ الإنسانية، لفت الأنظار إلى تلك البقعة المنسية في الأرض المسماة جزيرة العرب عندما قام أبرهة الحبشي، ذلك الملك الأرعن، بمحاولة هدم الكعبة، واستقدم لذلك الأفيال إلى "تهامة"، فحلّتْ الأعجوبة التي شهدها العرب وجيش الحبشة بامتناع الفيلة عن وطء أراضي الحرم، ثم بانتقام الطير الأبابيل من أبرهة وجنوده، في واقعة عظيمة خلدها لنا القرآن الكريم بقوله تعالى "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ"، وشهد هذا العام ميلاد النبي، صلى الله عليه وسلم، لتبدأ مرحلة كبرى في العهود البشرية بعد ٤٠ عاماً من ذلك بظهور النبوة والإسلام.كل إنسان منصف متجرد يطّلع على تاريخ البعثة النبوية يعجب من الانقلاب العظيم الذي أصاب العرب، فنقلهم من حال إلى حال، فمن بعد أن كانوا أمة تابعة ممزقة مهلهلة غارقة في الأمية لا تقرأ ولا تكتب ولا يلقى لها بال، تحولوا إلى أمة متبوعة تقود العالم وانتظموا في عقد مهيب من العقائد والشرائع التي رسمت لهم جوانب الحياة من أدناها إلى أعلاها، وأوجدت لهم القيمة الحقيقية، وخلال سنوات قليلة أسقطت كبرى الإمبراطوريات "الفرس والروم"، وما لبث الإسلام أن انساب في النفوس والعقول بين مختلف الأمم والحضارات والأديان وبلغ أقصى أراضي المعمورة.استمر الإسلام في الانتشار واستمر المناوئون له في حربه والصدّ عنه، وظهرت لذلك مذاهب وملل ونحل سعت إلى تحريف الدين وإلقاء الشبهات حوله كما فعل "الشعوبيون"، وهم قوم خلطوا ازدراءً للعرب وحقداً عليهم بعد تفوقهم، مع معاداة للإسلام وشرائعه، فاندسوا في ثنايا المسلمين بعقائدهم الباطلة ليشوهوا حقيقة الإسلام ويفتنوا الناس عن دينهم.
انقرض مسمى "الشعوبيين"، ولم يختفِ أصحابه ممن ورثوا الضغينة ضد العرب والكره للدين، فتستروا في عصرنا هذا بالأسماء الملائمة لهم كالعلمانية، لكنهم حملوا نفس الأفكار الشعوبية البغيضة، وشغلوا أنفسهم بإثارة الشبهات ضد الإسلام، واستمرأوا الانتقاص من المسلمين، ووجهوا سهام النقد إلى الأمة العربية والإسلامية، لا رغبةً في إصلاحها أو استنهاضها، وإنما تنفيساً عما ورثوه من عداء للعرب والمسلمين، تكشفهم كتاباتهم المتناقضة وتفضحهم آراؤهم التافهة، وستنقضي أعمارهم بسوء وهم. عبثاً بصغرهم يسعون إلى مواجهة عظمة الإسلام، وها نحن اليوم بعد ١٤٤٠ عاماً نستذكر تاريخ أطهر الهجرات في تاريخ البشرية، الهجرة النبوية المشرفة، لنقول لأولئك الشعوبيين المتسترين ومن شابههم "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ"، وكما قالت العرب: يا ناطح الجبلَ العالي ليَكْلِمَهأَشفق على الرأسِ لا تُشْفِق على الجبلِ كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهنَهافلم يَضِرْها وأوهى قرنَه الوعِلُوالله الموفق...