من يزرع الجهل؟
الهدف الأول والأسمى لأي أمة هو محاربة الأمية والجهل، والبحث عن سبل عديدة لتعليم المجتمع. لا تسمح السلطة في كثير من دول العالم المتحضر للأب بحرمان أبنائه من حقهم في التعليم، ويحق للمؤسسة أن تأخذ الأبناء تحت جناحها، لضمان تعليمهم. ذلك ليس حرصا على ضمان مستقبلهم فحسب، لكن لضمان ما سينتج عنه جراء جهلهم. مَن لا يستثمر في التعليم لبناء أبناء المجتمع، هو مستثمر تلقائي في الجهل، وسيحصد ما زرعه من جهل وتخلف. لن يكون مستغربا حين تنتشر الجريمة والمخدرات بين أطفال وشباب حُرموا من تعليمهم، وليس من حقنا أن نلومهم ونحن نقودهم لهذا الطريق. في الكويت أعداد كبيرة من البدون تستمر معاناتهم السنوية مع التعليم بمراحله الأولى أو الجامعية، فأغلب هذه الأسر البسيطة تكاد تكون معدومة الدخل، إلا ما يسد رمقهم، ولا تجد مصاريف التعليم الخاص حين أخرجتهم السلطة من التعليم الحكومي. في بلد غني، مثل الكويت، يقدم الكثير من المساعدات للخارج، وهو عاجز عن تعليم مجموعة من أبناء وأحفاد مَن كانوا ذات يوم عسكره وشرطته وموظفيه، لا يبدو ذلك منطقيا، ويشير إلى تعمُّد زراعة الجهل بين هؤلاء الأفراد.
لسنا هنا الآن بصدد نقاش حق الجنسية لهذه الفئة، رغم أن ذلك هو أبسط حقوقهم، في ظل عجز الحكومة وجهازها المركزي عن إثبات انتمائهم لدول مجاورة، لكننا نرى أن التضييق عليهم ومحاربتهم عن طريق زرع الجهل في عقولهم يشكل خطرا مجتمعيا لاحقا سنراه في المستقبل. من العار أن نرى أسرا وطلابا يشحذون أقساط مدارسهم ويحرمون من التعليم حين لا يجدون من يتبرع لسداد تلك الرسوم، ومن العار أيضا أن نرى أسرا تكتفي بتعليم الأولاد دون البنات، وأحيانا يعلّمون الأبناء بالتناوب، فقط لكي يتعلموا القراءة والكتابة. كان يمكن لهذه المشكلة أن تُحل بمنتهى اليُسر عن طريق صندوق يقوم عليه مجموعة من المتبرعين ينهي هذه المشكلة دون الحاجة لتعريض الناس لحاجة السؤال.هؤلاء الشباب والبنات هم أبناء هذا الوطن، وهم اليوم الجيل الثالث والرابع من عديمي الجنسية، وستجد الحكومة صعوبة كبيرة في التخلص منهم والبحث عن حلول تبدو غير معقولة أو منطقية لمشكلتهم. والحل الوحيد هو في احتوائهم وتعليمهم وتدريبهم، بعيدا عن موضوع التجنيس من عدمه. الآن أغلب هؤلاء الشباب توقف عن إكمال دراسته في المراحل الأولى، ولم يستطع إكمال تعليمه الجامعي، والحل الأمثل هو أن ينخرطوا في معاهد خاصة تدرِّب أيديهم، ليكونوا حرفيين في مجالات مختلفة، كالميكانيكا والكهرباء والأعمال المهنية التي تتطلب أيدي عاملة عادة ما يتم استيرادها من الخارج.لا أظن أن منظر رجل أمن يلقي القبض على شاب يبيع في الشارع العام هو منظر يسعدنا جميعا، هو منظر يدل على عجزنا عن تأهيل هذا الشاب لعمل يليق به. الذين يعتمدون سياسة الضغط على هذه الفئة سيكتشفون أنهم سلكوا الطريق الخطأ حين يكون تجهيل المجتمع صيغة من صيغ الضغط. إنها سياسة لا إنسانية تخلط بين معالجة مشكلة اجتماعية وسياسية تخص الانتماء للوطن وبين حرمان هذه الفئة من حقها الإنساني في الوجود. لقد عاش البدون تحت الضغط منذ استقلال الكويت حتى اليوم، والمزيد من الضغط لن يحل المشكلة، بل سيزيدها تعقيدا.