بعد 10 سنوات على انهيار بنك «ليمان براذرز»... الأزمة ما زالت مستمرة

شكوك في حصانة النظام المالي من تكرار مثل هذه الحادثة

نشر في 12-09-2018
آخر تحديث 12-09-2018 | 00:00
No Image Caption
ذات يوم غادر المصرفيون ناطحة السحاب في نيويورك حاملين متعلقاتهم في صناديق تم تعبئتها على عجل، وانتشرت صور سماسرة الأوراق المالية المذهولين في مختلف أنحاء العالم، وكانت بنوك الاستثمار مثل ليمان براذرز "أكبر من أن تفشل"، لكن في هذه الحالة لم تتدخل الدولة لإنقاذه.

منذ عشر سنوات، أثار انهيار "بنك ليمان براذارز" صدمة في أسواق المال، ووضع الاقتصاد العالمي على حافة الانهيار.

وهرع السياسيون والحكومات والبنوك المركزية لإنقاذ البنوك الأخرى، ووقف المزيد من التدهور الاقتصادي عبر ضخ مئات المليارات من الدولارات من الاعتمادات الائتمانية الطارئة للمؤسسات والشركات المتعثرة، وخفض أسعار الفائدة.

وبالفعل تم منع حدوث الأسوأ، لكن الثمن كان باهظا. فبعد عشر سنوات من الأزمة المالية مازالت تأثيراتها الاجتماعية والسياسية قائمة، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل نحن مستعدون بصورة أفضل اليوم لمنع تكرار هذه الأزمة؟

والحقيقة أن الأزمة التي تفجرت بإعلان إفلاس بنك "ليمان براذارز"، رابع أكبر بنك استثمار في الولايات المتحدة، في 15 سبتمبر 2008، تجاوزت القطاع المالي وكبدت الملايين وظائفهم.

وكان لنتائج الأزمة تداعيات مجتمعية، على خلفية حقيقة أنه في حين بالكاد واجه مديرو البنوك المسؤولون عن الأزمة المحاكمة، فإن الناس العاديين تحملوا الفاتورة الكبيرة، وأدى الغضب من الأزمة إلى تأجيج صعود التيارات السياسية الراديكالية.

لم يكن "ليمان براذرز" بنكا ضخما للغاية، لكن نظرا لتعدد فروعه ووحداته المتخصصة، فإنه كان نموذجا مثاليا لتشعب النظام المالي الذي تم فيه دمج القروض العقارية في صورة أوراق مالية. في ذلك الوقت كانت هذه الأوراق المالية المشكوك في تحصيلها قد حصلت على تزكية مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية، وهو ما ساهم في بيعها للمستثمرين في مختلف أنحاء العالم.

ومع تراجع الأسعار في سوق العقارات الأميركية، وتلاشي قيمة الرهون العقارية التي حصل عليها أصحاب المنازل المثقلون بالديون، فإن حالة التشابك بين أسواق المال الدولية أدت إلى اشتعال حريق مالي غير مسبوق، وتفجرت أسوأ أزمة مالية واقتصادية في العالم منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي.

وسرعان ما انتقلت عدوى الأزمة المالية من القطاع الخاص إلى المالية العامة للدول. وكانت اليونان من الدول الأشد تضررا من هذه الأزمة، خاصة أن معدل الدين العام فيها تجاوز مستوى 130 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لها.

وفي 5 أكتوبر 2008، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير المالية في ذلك الوقت بيير شتاينبروك، إن مدخرات الألمان آمنة. وكان هذا البيان غير المنقح بدرجة ما محاولة لمنع عمليات سحب واسعة للمدخرات المصرفية بما يمكن أن يهدد بانهيار القطاع المالي في ألمانيا.

ورغم أن ميركل ذكرت أن الإجراءات التي تم اتخاذها لم تستهدف مصالح البنوك، بل استهدفت مصالح الناس، شعر الكثير من المواطنين بالعكس.

وأصبح شعار ميركل في ذلك الوقت "إذا انهار اليورو، فستنهار أوروبا"، ثم أعلنت المزيد من حزم الإنقاذ المصرفي في ألمانيا.

في الوقت نفسه، فإن الأزمة المالية وفرت أرضا خصبة لصعود نجم حزب "البديل من أجل ألمانيا". وبالنسبة للكثيرين من الألمان، فإنه جسد حالة عدم اليقين بعد الأزمة المالية. وفي الولايات المتحدة، مهدت تداعيات الأزمة المالية الطريق أمام صعود حركات سياسية راديكالية مثل "حركة حفلات الشاي" و"احتلوا وول ستريت".

وبحسب تحليل أعده كريستوف تريبيش ومانويل فونكه من معهد "كيل للاقتصاد العالمي"، فإن الأحزاب اليمينية أصبحت بشكل عام أقوى بفضل الأزمة المالية. وإلى جانب حزب البديل من أجل ألمانيا، هناك حزب الرابطة اليمينية في إيطاليا، وحزب التقدم النرويجي في النرويج، وحزب الفنلنديين في فنلندا هي "أبناء الأزمة المالية". وهذه الأحزاب كان لها تأثير مدمر على النظم السياسية.

وبحسب مقال "تريبيش" و"فونكه"، فإن النظام السياسي القائم على وجود حزبين كبيرين يتبادلان السلطة والمستقر منذ عقود قد تلاشى، كما اضطرت الأحزاب العريقة في الحكم إلى التعامل مع حقيقة حصولها على أقل من 10 في المئة من الأصوات في الانتخابات، في حين تزايد الدعم السياسي للأحزب الشعبوية.

وبعد 10 سنوات من الأزمة المالية العالمية، هناك شكوك في حصانة النظام المالي من تكرار مثل هذه الأزمة. ففي الولايات المتحدة خففت إدارة الرئيس دونالد ترامب القواعد والقوانين المصرفية والمالية التي تبنتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في أعقاب الأزمة.

ويعتقد "يورج كرايمر" كبير خبراء الاقتصاد في مجموعة "كوميرتس بنك" المصرفية الألمانية، أن هيئات الرقابة المصرفية في منطقة اليورو تعين عليها التعاطي مع تداعيات الأزمة، لكنه مازال يرى مشكلات في النظام. وتحبذ البنوك المركزية التضخيم في الأسواق المالية نتيجة السياسات النقدية فائقة المرونة التي تبنتها هذه البنوك.

ومن المخاطر التي لم يتم التخلص منها بعد 10 سنوات من انهيار "ليمان براذرز"، ضعف حالة المالية العامة في الكثير من دول منطقة اليورو.

فمعدل الدين العام في كل دول منطقة اليورو باستثناء ألمانيا مازال أعلى منه قبل انهيار "ليمان براذرز". وفي إيطاليا وإسبانيا واليونان يزيد معدل الدين العام شدة عن مستواه قبل 2009 قبل تفجر أزمة الديون السيادية، وهو ما يعني استمرار هشاشة الوضع المالي لهذه الدول.

back to top