حالة عدم اليقين وتآكل المصداقية هي أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات التي تعاني الفساد وتتطلع للإصلاح، وعلاج واقعها. فعندما تتمكن حالة عدم اليقين من إمكانية تحقيق العدالة، ويغلب التشويش على تفاصيل القضايا، وتتقلب الرؤى بين فاسد يصبح صالحاً والعكس، ومختلس يحمل راية الإصلاح، وراشٍ يخطط لمستقبل البلد، ومستغل لثروة الوطن راعٍ لتنميته وتطويره، فإن الأمم تضيع والمجتمعات تُخرب.

في الكويت تتعزز حالة عدم اليقين منذ أن ضاعت قضايا اختلاسات الاستثمارات الخارجية في دهاليز القانونيين والمحاكم، وانتهت بأذناب استطاع معظمهم الهروب، وقضايا التلاعب بالمناقصات، وتضخم حسابات النواب، التي أفضت إلى لجان ثم لجان بلا طائل، ونائب عليه حُكم نهائي يصوِّت مجلس الأمة على استمرار عضويته!... وأخيراً، ضجَّت الديرة بقضية "كاسكو" و"الكويتية"، فكان لكل طرف منها كلامه وأدلته والناس "ضايعة بالطوشة"، وتلتها مشكلة عدم تجهيز المدارس للعام الدراسي الجديد، وتنازع المسؤولية بين المسؤولية الإدارية لقياديي وزارة التربية، والمسؤولية الفنية المترتبة على أصحاب عقود الصيانة المبرمة مع الدولة.

Ad

طبعاً كلها قضايا ستستمر بلا حسم أو جواب شافٍ، تسمعها وتتابعها الأجيال من الشعب، فتتعزز لديهم حالة عدم اليقين بكل مؤسسات الدولة وأدواتها في إحقاق العدل والمساواة، وهو ما يُفضي إلى تدمير الضمير الوطني، بل حتى الإنساني، الذي يؤدي إلى السعي للحصول على أي مكاسب، وبأي وسيلة كانت، فتتفشى الرشوة والإهمال في الوظيفة العامة والخاصة، وتنتشر بين فينة وأخرى ظواهر، مثل: تزوير الشهادات العلمية، وجرائم النصب والاحتيال، كما يحدث في ظاهرة بيع العقارات الوهمية والرشوة وسوء الخدمات الحكومية.

يتساءل البعض؛ لماذا لا توجد في دول الديمقراطية – الاجتماعية، مثل: السويد وفنلندا والنرويج وأيرلندا وسويسرا... إلخ، مثل هذه الجرائم والممارسات السلبية للمواطنين، إلا على نطاق ضيق جداً، وبين فترات زمنية متباعدة؟ بالتأكيد لا توجد، بسبب حالة اليقين لدى المواطن، وثقته بسُلطات بلده في كل قضية تمسه وتمس مجتمعه، وتوافر المعلومات حولها بشكل فوري، وإن لم يتمكن من ذلك في حينه، فإن أجهزة الدولة تحسم حالة الشك والضبابية تجاه أي قضية خلال فترة قصيرة تزيل البلبلة في المجتمع وترسخ مصداقية الدولة لدى المواطن.

لذا، فإن كل مواطن، أو أغلبية المواطنين في تلك الدول لديهم حالة رضى، بسبب إحساسهم بأن الدولة تقدم لكل مواطن حقه ونصيبه من ثروته، وفق جهده وقدراته، وهو ما يعزز لديه الضمير الوطني الذي يحثه على تحمُّل مسؤولياته، وتقديم أكبر عطاء منه لوطنه، وهو ما ينقصنا هنا في الكويت، فحالة عدم اليقين والشك في كل معلومة وحدث وقضية في البلد تنتقص من مصداقية الدولة، وبالتالي من الشعور بالمسؤولية العامة من المواطن تجاه وطنه... وهو ما سيدمرنا، إن لم نتحرك جميعاً لعلاجه، وإطلاق مشروع وطني كبير للإصلاح والتغيير.