مر سبعة عشر عاماً على العدوان الإرهابي القاعدي على الولايات المتحدة الأميركية، هذه الفاجعة المروعة التي راح ضحيتها 2752 ضحية بريئة من مختلف الجنسيات والأديان. وفي هذه المناسبة المأساوية الأليمة، أحيت أميركا ذكراها السنوية بإشعال 3 آلاف شمعة تمثل أرواح الضحايا ظلت مشتعلة مدة 24 ساعة، كما أعيد افتتاح محطة مترو أنفاق كانت قد تحطمت مع انهيار برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، وزار آلاف الناس النصب التذكاري للبرجين، وصمتت أميركا دقيقة حداد مع توقيت أول هجمة، وألقى الرئيس الأميركي ترامب خطاباً في الحفل التذكاري تعهد فيه بتأمين بلاده والعمل على ما يلزم لإبقاء الولايات المتحدة آمنة ضد الإرهاب المتشدد. الآن: ما هي الدروس والعبر والدلالات من هذه الهجمات الإرهابية على رموز الكبرياء الأميركية؟أول هذه الدروس أن عقيدة التضحية بالذات في سبيل ما يعتقده الشخص أنه هدف أسمى يستحق أن يموت من أجله، إذا استحوذت على العقل والنفس وتملكتهما، فإنه لا توجد قوة تمنع هذا الإنسان من التضحية بنفسه، وذلك بغض النظر عن صحة هذا المعتقد أو بطلانه في نظر الآخرين، والملاحظ أن هذا الإنسان الذي تملكته العقيدة، لا يبالي بأي شيء في سبيل تحقيق هدفه، وهذا هو التفسير المنطقي المقبول لاستمرار العمل الإرهابي الانتحاري حتى الآن ومستقبلاً، إذ لا يزال العمل الإرهابي القاعدي مستمراً، وكذلك العنف الإرهابي الداعشي رغم زوال دولتيهما ومقتل زعيم القاعدة والقضاء على كثير من الإرهابيين ومطاردة فلولهم في كل مكان، ومحاصرتهم وتجفيف مصادر تمويلهم، لا يزال الإرهاب حياً ناشطاً يضرب ويسقط الضحايا من كل ملة وجنس، رغم كل جهود المجتمع الدولي في مواجهته ومحاصرته ومحاربته.
وثاني الدروس: أن مواجهة الإرهاب لن تكون فاعلة إلا بالمواجهة الفكرية والثقافية والدينية عبر استراتيجية شاملة، تعليمية وثقافية وإعلامية ودينية، لتقوية مناعة الشباب، وتعزيز حصانتهم في مواجهة الفكر الإرهابي، وتشارك في هذه الاستراتيجية كل القطاعات المجتمعية والحكومية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية المختلفة، صحيح أن العمل العسكري والأمني، ضرورة في مواجهة العمل الإرهابي عبر هدم أوكاره والقضاء على رموزه وجنوده، وعبر العمليات الاستباقية التي تستهدف إجهاض العمليات الإرهابية مسبقاً، لكن هذه الضربات تقوض جسد الإرهاب وهيكله لا فكره الذي هو الأخطر، الفكر الإرهابي يبقى كالفيروس المتنقل في الهواء لا يمكن القضاء عليه إلا بالمصل الواقي، الفكر المحصن المضاد.وثالث الدروس: سقوط كل النظريات التي ربطت العمل الإرهابي بعوامل ثانوية: مثل عامل الفقر والبطالة والضائقة الاقتصادية؛ أو بعامل غياب الحريات والعدالة والديمقراطية أو بعامل وجود الظلم وتسلط الأنظمة وتعذيبها للمعارضة، أو بعامل الاغتراب كما في حالة الذئاب المنفردة في أوروبا، أو بعامل الاستفزاز العلماني للرموز الإسلامية كما يقول بعض الكتاب والدعاة والخطباء الدينيين، فقد ثبت على مدى 17عاما أن هذه العوامل ثانوية لا تقوى على تحويل شاب يافع في عمر الزهور إلى قنبلة بشرية تضحي بنفسها... لا قوة تجعل الإنسان يستعذب الموت إلا عقيدة عليا غلابة، ومن ناحية أخرى، فإن الفتية التسعة عشر الذين شاركوا في هذه الهجمات العدوانية، لم يكونوا يشكون فقراً أو ظلماً أو ضيقاً مالياً، وقد أتوا من أسر اجتماعية من الطبقة الوسطى، وكلهم متعلمون جامعيون درسوا في جامعات اوروبا وأميركا، بل إن الأربعة الذين قادوا الطائرات الأربع إلى أهدافها الانتحارية درسوا الملاحة الجوية في المعاهد الأميركية.ورابع هذه الدروس: ضرورة تطوير التعليم العام والتعليم الديني بوجه خاص بما يخدم أهداف الانفتاح والتسامح والحرية والكرامة والعدالة وتقبل الآخر واحترام معتقده ودينه من منطلق المواطنة المتساوية والحاضنة لكل المكونات والأطياف المجتمعية بدون أي تمييز أو تفرقة... فتعزيز المواطنة المتساوية بين أفراد المجتمع ومعاملتهم على قدم سواء ووفقا للفرص المتكافئة هما الحصن الحصين في مواجهة غزو الفكر الإرهابي للشباب. وخامس الدروس: سقوط نظرية المؤامرة، والتي فسرت هجمات 11 سبتمبر، بأن وراءها الاستخبارات الأميركية، بهدف إلصاق التهمة بالمسلمين وضرب "طالبان" و"القاعدة" في أفغانستان... سقطت نظرية المؤامرة، لسبب منطقي بسيط هو أن الفكر الجهادي الإرهابي المنحرف الذي اعتنقه الفتية التسعة عشر ودفعهم إلى ضرب أميركا، هو نفس الفكر الجهادي المنحرف الذي يدفع شبابا وتنظيمات في الدول العربية والإسلامية والإفريقية والغربية وغيرها، للقيام بهذه العمليات الإرهابية حتى اليوم... هذا فضلاً عن الاعترافات التي صرح بها أتباع "القاعدة" ومن تعاطفوا معها إلى درجة المباهاة والفخر، والاحتفال بها سنوياً من قبل أصوليي لندن تحت شعار العظماء التسعة عشر، إضافة إلى آلاف الوثائق والأدلة القاطعة.* كاتب قطري
مقالات
في الذكرى السابعة عشرة لهجمات 11 سبتمبر
17-09-2018