بعد فخ التأخير الذي وقع فيه، يعيش قانون التقاعد المبكر أزمة تضارب آراء الخبراء الدستوريين داخل اللجنة المالية البرلمانية فيما يخص مرسوم الرد، والذي انتهت اللجنة إلى رفضه، وإقرار القانون كما هو، لتلقي بالكرة في ملعب مجلس الأمة.وعكست آراء هؤلاء الخبراء، التي حصلت «الجريدة» على نسخة منها، الواقع المرير لـ «الفتاوى الدستورية» في الكويت، فبينما انتهى فريق إلى عدم دستورية المادة الرابعة من القانون، واعتبارها تغل يد الحكومة عن الإحالة للتقاعد، ذهب آخر إلى نقيض ذلك بأن «إلغاء المادة غلّ ليد المجلس في التشريع».
رأي الفريق الأول مثّله الباحث القانوني باللجنة فيصل الكندري ومستشارة المجلس عزيزة الشريف، إذ انتهى الكندري إلى أن المادة تغل يد الحكومة عن الإحالة للتقاعد، التي تعتبر قراراً إدارياً يجب أن تتوافر فيه جميع أركان القرار من اختصاص وشكل ومحل وسبب وغاية، ويشكل ضمانة للمشمولين بأحكام مشروع قانون التقاعد الجديد، لأن أحكام القضاء تصدر عن قضاة يتمتعون بالحياد والاستقلالية والنزاهة، ويراعون فيها المصلحة العامة. أما الشريف فأكدت، في مذكرتها، أن المشروع المردود شابته أوجه عدم دستورية، منها أن الاقتراح بقانون يقضي في مادته الرابعة باستثناء الحالات المشار إليها فيه من تطبيق أحكام البند 3 من المادة 32 من المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1987 في شأن الخدمة المدنية والمادة 76 من نظام الخدمة المدنية، موضحة أن ذلك «يعني غل يد الدولة عن إحالة أي منهم إلى التقاعد، في حين أنه لم ينص على ذات الحكم بالنسبة للعاملين في الجهات التي لا يسري عليها قانون الخدمة المدنية، مما يمثل إخلالاً بمبدأ المساواة».وأضافت الشريف أن المشروع يشوبه عدم الدستورية لمساسه باختصاصات السلطة التنفيذية كما جاءت في الدستور، فهو يخالف أحكام المواد 50 و52 و74 منه.أما الفريق الثاني، فمثله مستشارا اللجنة المالية رمضان بطيخ وتميم بنغموش، إذ رأى الأخير أنه «لا تعارض مع المادة 11 من الدستور كما ورد بمرسوم الرد، الذي اكتفى بالإشارة إلى جزء من المادة دون الالتفات للجزء الآخر»، موضحاً أنه «لا غل ليد الدولة والجهات الحكومية في الاقتراح بقانون، فالحكم الوارد في المادة الرابعة ذو طابع تشريعي، ويعود للحكومة، بصفتها سلطة تنفيذية، تنزيله دون أي تجاوز، لأن صلاحيتها بهذا الخصوص مقيدة بصريح النص».وأضاف بنغموش: «لا نرى في ذلك غلاً ليد الدولة، ذلك أن المشرع استعمل السلطة الموكولة إليه دستورياً لما نص على الاستثناء المشار إليه بهدف حماية المؤمن لهم من كل سوء في استعمال إمكانية التقاعد المبكر من جانب أجهزة الدولة والجهات الحكومية لتبرير إحالة قسرية للتقاعد مبكراً، الأمر الذي ينزع عنه طابعه الاختياري».وشدد على أن نص المادة الرابعة ليس به أي مس بمبدأ فصل السلطات، ولا يشكل غلاً ليد الدولة والحكومة، والقول بعكس ذلك يوحي بغل يد مجلس الأمة عن التشريع في شؤون هي من صميم اختصاص القانون.وبشأن الرد بمبرر الأعباء المالية المترتبة على تطبيق الاقتراح بقانون، قال إن «قرارات مجلس الوزراء، ومنها توجيه أوجه الصرف وترشيد الإنفاق، لا يمكن، مهما كانت أهميتها، أن تعلو على التشريع، كما أن موافقة المجلس جاءت بعد الاستعانة بشركة للحسابات الاكتوارية بدراسة الحالة المالية للتأمينات، قدمت على أثرها الحكومة اقتراحاً يهدف لزيادة الاشتراكات التي يؤديها المؤمن عليهم بواقع 1%».أما بطيخ، الذي انتهى إلى دستورية القانون، فإن مبرراته جاءت مختلفة جداً وبعيدة كثيراً عن الجانب القانوني، إذ رأى أن «قانون التقاعد المبكر الجديد يتسق في جميع بنوده ومواده مع النصوص الدستورية والقانونية»، مبيناً أنه «لن يثقل كاهل الميزانية العامة بأي أعباء، مادام يهدف إلى إعلاء مصلحة المواطنين، وذلك بالتيسير عليهم، وتخفيف أعبائهم، وتحقيق رغباتهم وأمانيهم».
أخبار الأولى
«التقاعد المبكر» في أزمة دستورية
18-09-2018