لم تكن صورة لأم كلثوم وضعها صاحب مطعم شهير في حيفا على واجهته، لتُحدِث أية أصداء، ما لم تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي، وزاد من ثورة الغضب الجماهيري في مصر، جراء هذا «العشق الممنوع»، أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي رأى في هذه الصورة «ابتسامة لإسرائيل»، حيث كتب مغرداً على «تويتر»: «ها هي كوكب الشرق أم كلثوم تبتسم لمواطني دولة إسرائيل ولكل زائر محّب للسلام في أحد مطاعم عروس البحر حيفا».

كثيرون من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، عبروا عن استيائهم من الصورة التي تترك انطباعاً عن حب المصريين لإسرائيل، على غير الحقيقة، فعلى الرغم من اتفاقيات سلام وقعت بين مصر وإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973، فإن معظم الشعب المصري يرفض التطبيع مع طرف يعتبره «عدواً». وفيما صمتت المؤسسات الثقافية والفنية الرسمية في القاهرة عن التعليق على الصورة، انبرت أقلام شعبية للرد دفاعاً عن «السِت» التي كان لها دور فاعل إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في جمع التبرعات لصالح جيش بلادها بعد نكسة يونيو 1967.

Ad

مُدوِّن يُدعى علي نور، غرَّد موجهاً كلامه إلى متحدث الجيش الإسرائيلي: «أنت تكذب على نفسك والعالم.. في الوقت الذي كان عبدالناصر يرص الصفوف لمقاتلتكم في فلسطين كانت أم كلثوم تعمل المستحيل لدعم عبدالناصر وتجمع الأمول لحربكم».

ولم تقتصر التعليقات على المصريين، إذ كتب عبد الكريم الدرويش من السعودية ساخراً: «سرقتوا الأرض العربية والكبة والطعمية.. فهل جاء الدور على الأغنية المصرية؟». وتساءل آخر باستنكار: «حتى الفن العربي تريدون سرقته!»، واكتفى آخر بكلمات «راجعين بقوة السلاح» التي غنتها أم كلثوم قبل النكسة بأيام، ويقول مطلعها: «راجعين بقوة السلاح، راجعين نحرر الحمى، راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة».

كتب آخرون: «للصبر حدود»، وطالبوا وزارة الثقافة المصرية ونقابة الفنانين المصريين، بتحريك قضية ضد الكيان الصهيوني، واعتبار أن صورة أم كلثوم الموجودة على واجهة مطعم إسرائيلي تمس القومية العربية، وتعد محاولة لسرقة التراث الغنائي العربي.

العشق الممنوع

ليست هذه الواقعة الوحيدة التي استفزت فيها إسرائيل مشاعر المصريين من بوابة أشهر مطربة في التاريخ العربي، ففي 17 أكتوبر 2012، وبعد مرور نحو ثمانية أشهر فقط على الذكرى السابعة والثلاثين لوفاتها في 3 فبراير 1975، أعلنت إسرائيل، اطلاق اسم الفنانة الراحلة على أحد الشوارع الرئيسة في القدس، وأقامت حفلة بهذه المناسبة، تضمنت عروضاً غنائية، وصفق الجميع بشدة لمطربة تدعى نسرين قادري أدت أغنية «انت عمري».

لا تفسير لهذا «العشق الممنوع» من الإسرائيليين لكوكب الشرق أم كلثوم، التي طالما كانت مواقفها مناهضة للكيان الصهيوني، وعلى الرغم من ذلك، فإننا نجد التلفزيون الإسرائيلي في 3 فبراير 2015 يبث برنامجاً خاصاً للاحتفال بمرور 40 عاماً على وفاة سيدة الغناء العربي، حيث أعلنت القناة 33 التابعة للتلفزيون الرسمي لإسرائيل، إذاعة مجموعة من الأغاني الخاصة بأم كلثوم تخليداً لذكراها.

ووصل عشق الإسرائيليين لأم كلثوم إلى حد أن دار الإذاعة الإسرائيلية «صوت إسرائيل»، أسهمت في حفظ تراثها عن طريق بث أغانيها في الساعة السادسة من مساء كل يوم ولمدة ساعة منذ ستينيات العقد الماضي.

وفي مقال نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، بعنوان «للإسرائيليين الذين يحبون أم كلثوم، الموسيقى تقلل من العداوة»، تحدثت عن عشق الإسرائيليين لأم كلثوم، على الرغم من كونها رمزاً للحركة القومية العربية في القرن العشرين، وجاء في المقال: «لم يكن هناك أبداً في إسرائيل سؤال حول إمكانية رفض أم كلثوم بسبب خلفيتها، لأن في الشرق، الموسيقى والسياسة شيئان مختلفان».

زيارة فلسطين

حالة العشق الإسرائيلي لكوكب الشرق امتدت لتصنع أكذوبة أخرى، وهي زيارة أم كلثوم إسرائيل، لكن الحقيقة أن تلك الزيارة تمت عام 1931، أي قبل إعلان إسرائيل دولتها المزعومة بنحو 17 عاماً، ما يعني أن الزيارة كانت لفلسطين، وبالفعل ونشرت صحف فلسطينية في فترة الانتداب إعلاناً احتفالياً بعنوان «أعياد الطرب والسرور في مدن فلسطين العامرة بتشريف المطربة الفنانة بلبلة الشرق والأقطار العربية». لكن مواقع إسرائيلية تحاول إثبات زيارتها للدولة العبرية، وأن الإسرائيليين هم من أطلقوا عليها لقب «كوكب الشرق».

الكاتب سليم نسيب، دحض هذه الأكاذيب، في كتابه «أم كلثوم» الذي أكد فيه أنها تبرّعت بربع عائدات إحدى حفلاتها في حيفا للنضال ضد الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية إلى فلسطين، واستُقبلت بحفاوة كبيرة ومُنحت لقباً جديداً هو كوكب الشرق»، لافتاً إلى أن «هذا اللقب انطلق من مقهى «الشرق» في مدينة حيفا، حيث صرخت إحدى الحاضرات قائلة: «أم كلثوم أنت كوكب الشرق»، بعدما غنت الراحلة «أفديه إن حفظ الهوى».