خطة إنقاذ أفضل
لا شك أن إدارة أوباما ساعدت في تخفيف حدة الأزمة المالية من خلال طمأنة جماهير الناس، والتهوين من عمق المشكلات، لكن الأمر لم يخل من ثمن باهظ، فقد فشلت في التعامل مع المشاكل الأساسية، وبحمايتها البنوك بدلاً من حاملي الرهن العقاري، عملت على توسيع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون في أميركا.
كانت المساجلة الأخيرة بين جو ستيغليتز ولاري سامرز حول "الركود المزمن" وعلاقته بالتعافي الاقتصادي الفاتر بعد الأزمة المالية التي اندلعت في الفترة 2008- 2009 شديدة الأهمية. ذات يوم، قال مارك توين: "التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يهوى القوافي"، ولكن بوسعنا أن نقول، في إعادة لصياغة كلمات بوب ديلان في ضوء التاريخ الاقتصادي الحديث: "التاريخ لا يستخدم القوافي، بل يسبنا".يبدو أن ستيغليتز وسامرز يتفقان على أن السياسات لم تكن كافية في التصدي للتحديات البنيوية التي كشفت عنها الأزمة وزادت حدتها، وتتناول المناقشة الدائرة بينهما حجم الحافز المالي، والدور الذي لعبه التنظيم المالي، وأهمية توزيع الدخل، لكن بعض القضايا الإضافية تحتاج إلى استكشاف عميق.نعتقد أن فرصة حاسمة أضيعت عندما كان ميزان عبء التعديل يميل بشدة لمصلحة الدائنين على حساب المدينين في الاستجابة للأزمة، وأن هذا ساهم في إطالة أمد الركود الذي أعقب الأزمة، وكانت التبعات الاجتماعية والسياسية الطويلة الأجل لهذه الفرصة المهدرة عميقة.
في سبتمبر 2008، عندما قدم وزير الخزانة الأميركي آنذاك هانك بولسون برنامج إغاثة الأصول المتعثرة بقيمة 700 مليار دولار، اقترح استخدام الأموال لإنقاذ البنوك، ولكن دون الحصول على أي ملكية للأسهم فيها. في ذلك الوقت، زعمت وزميلي روبرت دوجر أن الاستخدام الأكثر فعالية وإنصافا لأموال دافعي الضرائب يتمثل في تقليص قيمة الرهن العقاري لدى الأميركيين العاديين بحيث يعكس انحدار أسعار المساكن وضخ رؤوس الأموال في شرايين المؤسسات المالية التي قد تصبح مفتقرة إلى التمويل الكافي. ولأن الأسهم من الممكن أن تدعم الميزانية العمومية التي كانت ستصبح أكبر بنحو عشرين مرة، فإن مبلغ 700 مليار دولار كان سيقطع شوطا طويلا نحو استعادة نظام مالي سليم.الواقع أن القدرة على استخدام الأموال لضخ الأسهم إلى البنوك لم تكن جزءا من مشروع القانون المقدم إلى مجلس النواب الأميركي، لذا، قمنا بترتيب الأمر لكي يطرح النائب جيم موران على رئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب بارني فرانك سؤالا حول ما إذا كان السماح لوزارة الخزانة باستخدام أموال دافعي الضرائب في هيئة عمليات ضخ رأسمال المساهمين يتفق مع روح تشريع برنامج إغاثة الأصول المتعثرة. وجاء رد فرانك برد المجلس بالإيجاب. كانت هذه في واقع الأمر أداة استخدمها بولسون في الأيام الأخيرة من إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، لكن بولسون فعل ذلك بطريقة غير صحيحة: فقد استدعى رؤساء البنوك الكبرى وأرغمهم على قبول الأموال التي خصصها لهم. لكنه بهذا كلل البنوك بالعار.بعد بضعة أشهر، عندما وصلت إدارة أوباما، دأب أحدنا (سوروس) على مناشدة سامرز على نحو متكرر لتبني سياسة ضخ أموال المساهمين إلى المؤسسات المالية الهشة وشطب ديون الرهن العقاري بما يتناسب مع القيمة الواقعية في السوق لمساعدة الاقتصاد على التعافي. واعترض سامرز بأن هذا غير مقبول سياسيا لأنه يعني تأميم البنوك، وأن تلك السياسة تنضح بالاشتراكية. وقد وجدنا أن حجته غير مقنعة، فمن خلال إعفاء المؤسسات المالية من أصولها المبالغ في تقييمها، اختارت إدارتا بوش وأوباما بالفعل تعميم الجانب السلبي، وكان الجانب الإيجابي لتقاسم مكاسب الأسهم المحتملة في حالة التعافي هو فقط الذي لا يزال محل مناقشة.لو تبنت الحكومة آنذاك توصياتنا، فإن حاملي الأسهم والديون (الذين هم أكثر ميلا إلى الادخار) كانوا ليشهدوا خسائر أكبر من تلك التي تكبدوها بالفعل، في حين كانت الأسر المتدنية والمتوسطة الدخل (وهي أكثر ميلا للاستهلاك) لتعفى من دوين الرهن العقاري. وقد انتبهنا إلى مشكلة في اقتراحنا: فإعفاء حاملي الرهن العقاري المثقلين بالديون كان سيلقى مقاومة شديدة من جانب عدد كبير من مالكي المساكن الذين لم يحصلوا على قروض عقارية، وقد استكشفنا السبل للتغلب على هذه المشكلة إلى أن تحولت إلى مثار جدال، ورفضت إدارة أوباما قبول نصيحتنا. يتناقض النهج الذي تبنته إدارتا بوش وأوباما بشكل صارخ مع السياسة التي انتهجتها الحكومة البريطانية، ومع أمثلة سابقة لعمليات إنقاذ مالية ناجحة في الولايات المتحدة. في بريطانيا، بقيادة رئيس الوزراء غوردون براون آنذاك، طُلِب من البنوك التي تفتقر إلى رأس المال الكافي أن تجمع رؤوس أموال إضافية، وأتيحت لها الفرصة للذهاب إلى السوق بأنفسها، لكنها أُنذِرَت من أن وزارة الخزانة البريطانية ستقوم بضح الأموال إليها إذا فشلت في القيام بذلك، وقد طلب رويال بنك أوف اسكتلندا وبنك لويدز تي إس بي الدعم الحكومي، وكان ضخ أموال المساهمين مقترنا بفرض قيود على رواتب التنفيذيين وأرباحهم، وعلى النقيض من طريقة بولسون المتمثلة في ضخ الأموال، لم تكلل البنوك بالعار ما دامت قادرة على الاقتراض من الأسواق. على نحو مماثل، خلال فترة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، استحوذت الولايات المتحدة على ملكية البنوك وأعادت تمويلها من خلال مؤسسة إعادة بناء التمويل، وأدارت عمليات إعادة هيكلة الرهن العقاري من خلال مؤسسة تمويل أصحاب المساكن.لا شك أن إدارة أوباما ساعدت في تخفيف حدة الأزمة من خلال طمأنة جماهير الناس، والتهوين من عمق المشكلات، لكن الأمر لم يخل من ثمن باهظ، فقد فشلت في التعامل مع المشاكل الأساسية، وبحمايتها البنوك بدلاً من حاملي الرهن العقاري، عملت على توسيع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون في أميركا.ألقى الناخبون باللوم على إدارة أوباما والكونغرس الديمقراطي عن هذه النتائج، وقد تأسس حزب الشاي في أوائل 2009 بدعم مالي واسع من صاحبي المليارات الأخوين كوخ، تشارلز وديفيد. وفي يناير 2010، عقدت ولاية ماساتشوستس انتخابات خاصة لشغل مقعد عضو مجلس الشيوخ الراحل تيد كينيدي، بعد أن دفعت مؤسسات وول ستريت مكافآت باهظة، وانتخبت الجمهوري سكوت براون. وفي وقت لاحق سيطر الجمهوريون على مجلس النواب في إطار انتخابات التجديد النصفي لعام 2010، وسيطروا على مجلس الشيوخ في عام 2014، ورشحوا دونالد ترمب، الذي انتُخِب عام 2016.من الأهمية بمكان أن يدرك الحزب الديمقراطي أخطاءه ويصححها. وتشكل انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، والتي ستمهد الساحة للانتخابات الرئاسية في عام 2020، فرصة ممتازة للقيام بذلك. ويتعين على الديمقراطيين أن يعترفوا بهذه المشاكل، لا أن يقللوا من شأنها، وسوف تكون انتخابات التجديد النصفي هذا العام بمثابة استفتاء على ترامب، لكن يتعين على المرشح الديمقراطي للرئاسة عام 2020 أن يقدم برنامجاً يعتبره عدد كبير من الأميركيين ملهما. فقد رأي الناخبون إلى أين قد تقودهم شعبوية الدهماء.* جونسون رئيس معهد الفِكر الاقتصادي الجديد وكبير زملاء ومدير مشروع التمويل العالمي لمعهد فرانكلين وإليانور روزفلت، أما سوروس فرئيس مجلس إدارة صندوق سوروس ومؤسسات المجتمع المفتوح.* روب جونسون وجورج سوروس«بروجيكت سنديكيت – 2018» بالاتفاق مع "الجريدة"