تابعت منذ أيام على وسائل التواصل الاجتماعي نقاشاً أثير بين عدد من الأطباء الكويتيين ومواطنين، إثر نشر إحدى الصحف المحلية خبراً بعنوان "وزارة الصحة تحذّر من هجرة الأطباء الكويتيين"، وذلك بسبب مناخ العمل في القطاع الحكومي، كما زعم الخبر، وصعوبة حصول هؤلاء الأطباء على بعثات خارجية للحصول على مؤهلات أعلى.وأثناء النقاش ذُكرت تجربة لمواطن مع الجهاز الطبي الحكومي جاءت كالتالي: "كنت أراجع مركز أسنان في أحد المستشفيات الحكومية، الطبيب الذي حُدد لي موعد معه، وهو كويتي، يحضر بين الساعة الثامنة والنصف والتاسعة صباحاً، يمضي معظم الوقت في استراحة الأطباء يتناول القهوة ويدخن السجائر، حتى يجهز له أول مريض في العاشرة والنصف تقريباً.
عند الحادية عشرة يتوقف العمل لتعقيم العيادة، وبعد صلاة الظهر في الثانية عشرة والنصف يتوقف عن استقبال المراجعين، ولكن في عيادته المسائية يظل واقفاً على قدميه من الساعة الخامسة حتى الحادية عشرة ليلاً".طبعاً هذا المثال أثار ردود فعل كثيرة وتعليقات من الأطباء، بعضها يبرر بسبب ضعف الرواتب، وآخر يقول إن في كل مهنة بعض المسيئين لها، في حين أن بعض المواطنين قالوا إن هذه الظاهرة منتشرة بسبب جمع الأطباء بين أكثر من وظيفة، بخلاف ما يحدث في أغلبية دول العالم، إضافة إلى غياب الضوابط وقانون يحدد أخلاقيات المهنة ومسؤوليات الطبيب.د. محمد العماني، وهو طبيب كويتي مبتعث في فرنسا ومقيم هناك، كان صادقاً وأميناً وعلّق قائلاً: "معاشات الأطباء الكويتيين في القطاع الحكومي تعادل 3 أضعاف معاش الطبيب الأوروبي، والأطباء الأوربيون في القطاع الحكومي يشتغلون من 10 إلى 13 ساعة يومياً"... انتهى.طبعاً في أوروبا، وفي العيادة الحكومية يخرج الطبيب عند الباب ليناديك ويستقبلك إلى داخل عيادته، ولا توجد طبيبة ترفض أن تقيس لك الضغط حتى لا تلمس يد رجل غريب، وترسلك لتبحث عن ممرض رجل ليقيس لك الضغط... هناك سلبيات كثيرة في الجسم الطبي الكويتي، منها غياب قانون أخلاقيات المهنة وحقوق المريض والأخطاء الطبية وتقنين رسوم العلاج وتكلفته.أذكر أنه في عام 1998، وكنت حينها أدير مكتب المرحوم النائب سامي المنيس، أعددنا قانون نقابة الأطباء والمهن الطبية، الذي استغرق إعداده أكثر من ثمانية أشهر، وقمت بمساعدة قسم الترجمة في مجلس الأمة، إذ تمت ترجمة العديد من القوانين الأوروبية والأميركية بهذا الشأن، وشارك في إعداد القانون المقترح الخبير القانوني والدستوري المخضرم عبدالفتاح حسن، وكان يهدف إلى فتح نقاش قانوني وفني يحمي ويطور الجسم الطبي، ويحفظ حقوق المواطنين.مع الأسف، إن قطاعاً كبيراً من الأطباء عارضوا مجرد فكرة القانون، إذ كانوا يريدون أن يبقى الوضع على ما هو عليه، ومورست ضغوط كبيرة على لجنة الشؤون الاجتماعية والصحية والعمل البرلمانية لحفظ المقترح بقانون وعدم مناقشته، وحل بعد ذلك مجلس الأمة في عام 1999، وتوفي النائب سامي المنيس، رحمه الله، بعد فترة وجيزة من بداية مجلس 1999، وذهب القانون إلى غياهب النسيان.مشكلة القطاع الصحي الكويتي هي تضارب المصالح، والنفَس التجاري الذي طغى عليه بعد التحرير، وفوضى العيادات الخاصة، وغياب قوانين حقوق المريض والأخطاء الطبية، وهو ما يتطلب أن تسارع الحكومة ومجلس الأمة إلى صياغة قوانين لتنظيم ذلك القطاع. أما الطبيب الكويتي، قياساً على امتيازاته المالية وساعات عمله وجمعه بين وظائف عدة، وسهولة حصوله على الابتعاث للخارج... فهو بسبب كل تلك المعطيات يُعتبر "ملكاً في ديرته".
أخر كلام
الأطباء الكويتيون... ملوك في ديرتهم!
20-09-2018