خيبة المسرح الكويتي والمصري!
كثير من أهل الفن يعبرون عن شعورهم بزيادة تخلف المسرح العربي كلما تقدم بنا الزمن، مقرين بأن المسرح في الأصل عمل حضاري، وفن راقٍ، في وقت تهدف أحزاب سياسية معروفة بالتشدد إلى تقليص كل ينابيع الفن. أنا كمواطن عربي، أقع في حيرة، فأهل الفن يصفونه بالفشل، وذوي التيارات الدينية يحلمون بهدمه، فهل بالفعل انتهى كل أمل لاسترجاع الفن العربي ببراءته وأريحيته المعهودة؟ وبرسائله السامية المنشودة؟ لخص الفنان الكويتي المحبوب عبدالله الحبيل هذه المسألة حينما قال في آخر مقابلة له على قناة «اليوم» أجراها الزميل الكاتب محمد الوشيحي، حينما سأله عن سبب غيابه عن الوسط الفني: «كنت أمام خيارين، إما أدخل الزبالة او أطلع بكرامتي، لا لهجتنا سليمة، ويظهرون بناتنا رايحين فيها وأبناءنا».
مسألة التحريم فيها الكثير من الاختلافات، ولكن أدبيات القصص ليست محرمة، وتجسيد حروف الرواية بالتمثيل له ضوابط إن التزم بها الناس فلن يكون لأي أحد حجة ضد الفن بشتى أنواعه؛ ففكرة الفن بذاتها ليست محرمة، ولكن ما قد يصحبها من منكرات. أما القول بأنه منزلَق للمعاصي والفتن، فهو لم يكن كذلك إلا بسبب تدني الثقافة العامة لدى الأجيال الحالية، التي لا تستطعم الشعر؛ ولا تقرأ الرويات؛ ولا تحب التعمق في الشخصيات، بل تستهويها النكتة السريعة ومغامرات الممثلين والمخرجين مع الرقابة، فالأغلبية تشتهي الصدمة السريعة والمفاجأة الصارخة ليس إلا، هذا التدني جعل الكثير يستكثر على المسرح العربي أن نصفه بالعمل الحضاري، وكأن أي عمل حضاري عربي لابد أن يكون حبيس حقبة زمنية للخلافة الأموية أو ببلاد الأندلس! لم أخص في هذه المقالة المسرحين الكويتي والمصري إلا لأنهما أعظم مسرحين في العالم يتحدثان العربية، الأول هو المصري بعظمة الانتشار يليه الكويتي... ويؤسفني قول أن أغلب الوطن العربي جاهلٌ تماماً بالمسرح المغربي بحكم وعورة اللهجة الممزوجة باللغة الأمازيغية والإسبانية والفرنسية، أي خطأ يُرتكب في المسرح المصري سيؤثر على الإعلام الترفيهي العربي كله، وأي خطأ يُرتكب في المسرح الكويتي سيُؤثر على الإعلام الخليجي جميعه. عبدالحسين عبدالرضا، رحمه الله، أنتج «فرسان المناخ»، التي تعتبر كتاباً كاملاً يُفصل لنا المشاكل التي نعيشها الآن مع مجلس الأمة، وبعض الحركات الخبيثة التي تحصل في الوزارات، والتكتيكات الباطنية بين بعض أفراد نخب المال والوجاهة الاجتماعية. هذه الأمور الخفية هي التي سببت لنا أزمة المناخ التي كبدتنا خسائر تقدر بـ 26.7 مليار دينار، عُرِضت المسرحية في قطر والإمارات والبحرين، وفازت بعظيم الاحترام والتقدير، لأنها وظفت الكوميديا التوظيف الصحيح، بتقديم المواضيع الشائكة، عبر أسلوب يجذب الكل، ولا يُنفر أحداً، فالباحث والعامي كلاهما تلقيا ذات الرسائل المقصودة من المسرحية، والممثل قد يتمكن من قول ما لا يقوله غيره من ناطقين رسميين بل وخطباء جمعة من أمور حساسة، فيصل إلى الكل بسحر الكوميديا. محمد صبحي بمسرحية «عائلة ونيس» كشف مشاكل واقعية في الأسر المصرية، وعرض حلولها بشكل فكاهي، مثل غيرة الزوج حينما سبقته زوجته في الترقية فصارت هي الأعلى دخلاً، فبات يصارع حسده وغيرته من نجاحها، فذكره أبناؤه بأنه هو من كان ينصحهم بأن الحسد عدو لسعادة الأسرة، فمجدداً أقولها، وظف محمد صبحي الكوميديا توظيفها الصحيح، وقدم نصائح تربوية بدون رتابة الأسلوب المثالي.ولكن من أول من بدأ فن المسرح في التاريخ؟ ولماذا في الوطن العربي لدينا صورة نمطية بأن أي مسرحية ينبغي أن تكون ساخرة؟ هذا ما سنطرحه في المقال القادم إن شاء الله تعالى؛ أما الآن، فانتهى هذا الفصل الأول من المقال؛ وقد نزل الستار، الذي سنرفعه عندما نبدأ الفصل الثاني.