خالد القلاف: الغناء الشعبي مرآة عاكسة لحياة المجتمعات
ندرة الدراسات الأكاديمية وقلة المصادر لم تمنعاه من التوثيق للإرث الفني
يعتبر د. خالد القلاف الأغنية الشعبية مرآة عاكسة لحياة أفراد المجتمع، لأنها ليست مجرد كلمات وموسيقى وإيقاع، بل وثيقة متكاملة تنقل المستوى الثقافي لأفراد المجتمع وطريقة تفكيرهم ووضعهم الاقتصادي، إضافة إلى البيئة الاجتماعية التي تحتضنهم.
وقال القلاف في حواره مع "الجريدة"، إن ندرة الدراسات الأكاديمية المستفيضة وقلة المصادر لم تمنعاه من البحث والدراسة لتقديم إصدارات توثق لهذه الفنون الشعبية وتساهم في حمايتها من الانقراض. وفيما يلي تفاصيل الحوار:
وقال القلاف في حواره مع "الجريدة"، إن ندرة الدراسات الأكاديمية المستفيضة وقلة المصادر لم تمنعاه من البحث والدراسة لتقديم إصدارات توثق لهذه الفنون الشعبية وتساهم في حمايتها من الانقراض. وفيما يلي تفاصيل الحوار:
• من أين جاءت فكرة التوثيق للتراث الموسيقي المحلي؟
- يعد المأثور الشعبي عموماً، والأغنية الشعبية خصوصاً، من الركائز المهمة التي يحافظ بها المجتمع على نسيجه الثقافي والاجتماعي، نظراً إلى ما تقوم به تلك الركائز من دور ثقافي، وتوجيه متواصل عبر الأجيال، يعكس مدى عمق القيم والمثل في نفوس أبناء المجتمع، وتؤدي الأغنية الشعبية دوراً فاعلاً في تأكيد العلاقات الاجتماعية من خلال القالب الفني، الذي يقدم المثل العليا، ويعكس العلاقات القائمة بين الأفراد وبيئتهم على المستوى الثقافي، والفكري، والاقتصادي، الذي يمثل مناخهم البيئي والاجتماعي.لذلك قدمت إصداراً بعنوان "الخصائص الفنية لأغنية البحر في دولة الكويت، تلاه إصدار آخر "فنون كويتية ابداعات وإيقاعات"، ولدي إصدار آخر بصدد التجهيز له.
• البحث لا يقتصر على الشكل الموسيقي أو مضمون الكلمة المغناة، بل يمتد إلى معظم مناحي الحياة؟
- نعم، من هنا يمكن وصف الأغنية الشعبية بأنها: مرآة للمجتمع تعكس عناصره، ويمكن التعرف من خلالها على سمات المجتمع، وعاداته، وتقاليده. فالأغنية الشعبية أدت دوراً رئيسياً في حياة أبناء دول الخليج عموماً، والشعب الكويتي خصوصاً، ومهد لهذا الدور الموقع الجغرافي للكويت على شمال الخليج العربي وارتباط الكويتيين بمهن البحر، لأنه كان المصدر الوحيد للرزق في الكويت، وكانت الأغنية تصاحب البحارة والغواصين في كل أعمالهم لأنها الوسيلة الوحيدة للترفيه، والتسلية، في أوقات: العمل، والراحة، لذا استعانت السفن بالمطرب، الذي يطلق عليه مصطلح (النهام)، ليخفف عن البحارة مشقة السفر والغوص، وكانت مهمته الأساسية على السفينة الغناء وهناك العديد من الألوان الغنائية الخاصة بالبحر، التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من التراث الشعبي الكويتي غير أنها لم تحظ باهتمام الدارسين.• ما سبب تركيزك على هذا الجانب؟
- ما دفعني إلى تناول هذا الموضوع، ما وجدته من أهمية كبرى في تأصيل التراث الشعبي، والتنظير لفنونه الغنائية في الكويت، استكمالاً لما أرساه الرواد في دراسة الفنون والأغاني، أردت إلقاء الضوء على الفنون البحرية في التراث الكويتي الممتزج بالحضارات المجاورة المطلة على الخليج العربي والمتصل بحضارات إفريقية أخرى هندية. ولما يمثل موقع الكويت الجغرافي من أهمية تجارية واقتصادية بين تلك الحضارات والدول. ولعل ما يبين أهمية موضوع الدراسة من زاوية أخرى، أن التراث الغنائي في الكويت الممتزج بمجموعة من الحضارات، مجاور للحضارات المطلة على الخليج من جهة، ومتصل بالحضارات التي ارتادها الكويتيون في رحلاتهم للصيد والغوص، كالهند، وإفريقيا من جهة أخرى.• ندرة الدراسات في هذا الجانب، هل كانت محفزاً لك أم عائقاً؟
- حينما أردت جمع هذا التراث في كتاب حزمت أمري وكنت أعلم أن الموضوع يتطلب جهداً مضاعفاً ويحتاج إلى توثيق عناصر التراث الفني، والمحافظة على الأغاني المتصلة به لتصبح هذه الفنون من خلال تحقيقها ودراستها، في متناول الكويتيين عموماً والموسيقيين خصوصاً.• ما المصادر التي اعتمدت عليها أثناء البحث؟
- تشكل المصادر والمراجع خطوة مهمة في سبيل دراسة هذا الموضوع، والإلمام به، ولعل من أهم المصادر التي اعتمدت عليها: المقابلات الشخصية، لمن يتصلون بفنون البحر سواء أكانوا "نهامين" أم عازفين أم دارسين، وكذلك الأمر في فنون البادية، وقد بذلت جهداً في محاولة الاتصال بكل من له صلة بغناء البحر والبادية والمدنية، حرصاً على الإفادة بما يثري هذا الكتاب، أما عن المصادر العلمية، وبالرغم من ندرتها، فقد عولت عليها في كثير مما تصديت له من قضايا طرحتها في هذه الدراسة، ملتزماً بالأمانة على النقل، كما أن هناك وسائل أخرى استعنت بها، وكان لها دور مهم في عملي خلال الدراسة، ومنها: التسجيل سواء أكان للنصوص أو مقابلات تلفزيونية أو إذاعية وكذلك التصوير الفوتوغرافي.• ما المصاعب التي واجهتها خلال عملك؟
- صادفتني مصاعب كثيرة في أثناء العمل بهذا الدراسة، منها: ندرة المراجع وقلتها، وعدم التيقن من الحصول عليها، أو حتى الوصول إليها، وصعوبة الوصول إلى الشخصيات المعنية، لكن حينما اختمرت الفكرة في رأسي كنت أعرف أنني سأواجه بعض العقبات، لذلك تغلبت على هذه المصاعب، من خلال: الدأب المستمر في البحث عن المصادر العلمية والمراجع التي تخدم الموضوع، وعدم الاستسلام لليأس، بل ربما كان الشعور بعدم الوصول إلى المصدر أو المرجع دافعاً لتنويع وسائل البحث عنه.• قمت برصد الخصائص الفنية في أغنية البحر، حدثنا عن هذه الدراسة؟
- لاحظت أن أغاني البحر في إطارها الوصفي والتاريخي، تتناول الجانب الموسيقي الفني الغنائي والإيقاعي بالدراسة والتحليل، وإن كانت هناك دراسات فهي تكاد تقتصر على صفحات في مجالات محددة، أو فصول قصيرة في بعض الدراسات الأكاديمية، بحيث يعد هذا النوع من الدراسات- مع قيمته العلمية وقيمته التي أفدت منها- غير مستوف جوانب الموضوع، لذلك فقط كان من أهم أهدافي جمع أغاني البحر الكويتية، ثم تصنيف عناصر هذه الأغاني الموسيقية، وتقديمها علمياً للتداول في الدراسات المعاصرة. وحددت البحث زمنياً بدءاً من النصف الأول للقرن التاسع عشر حتى نهاية القرن العشرين، وأما التحديد المكاني فهو دولة الكويت.• كيف تصف جهد المؤسسات الحكومية في المحافظة على التراث من الانقراض ؟
- بعدما رصدت دولة الكويت ظاهرة انقراض الفنون الشعبية، من خلال فقد رواد التراث الشعبي وتحققت من حجم الخسارة الحضارية الفادحة، اهتمت أجهزتها ومؤسساتها بالمحافظة على ما تبقى من فنونها وتراثها الشعبي، فأنشأت فرقة التلفزيون للفنون الشعبية، التي أضحت رمزاً للأداء التراثي، وداراً لتدريب الشباب على الفنون الشعبية المختلفة، مما أدى إلى المحافظة على جزء كبير من تراثنا الشعبي، كما قدمت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مكافآت مجزية، دعماً للفرق الشعبية في دولة الكويت، إيماناً منها بأن هذا الدعم يساعد في المحافظة على تلك الفرق الشعبية من الاندثار، كذلك حرصت دولة الكويت على إنشاء المعاهد الفنية الموسيقية لتأهيل جيل أكاديمي، يفهم تراثه الشعبي ويحافظ عليه ويطوره بأسلوب علمي متقن.التاريخ مسموع من خلال اللحن
يشير القلاف في إصدار «الخصائص الفنية لأغنية البحر بدولة الكويت» إلى أن مصطلح أغنية يكتسب صفة التعميم ولا يحدد الماهية العلمية للصيغ والمفاهيم الغنائية المتعارف عليها عند الشعوب، فالقوالب الغنائية المتداولة لدى المجتمعات، امتزجت بأحداث مجتمعاتها سواء في أفراحها أو أتراحها.ويوضح أن القوالب الغنائية المتداولة ارتبطت بالحياة العلمية من صناعات يدوية وحرفية، وعبرت بأسلوب لحني وإيقاعي عن الظروف النفسية والوظيفية التي تسود المجتمعات الفطرية، إذ إن التراث الغنائي المسموع والمرئي هو تاريخ الشعوب وحضارتها، وهو تاريخ مسموع من خلال الألحان المتناقلة من جيل إلى آخر عبر الزمان تتلقاها الآذان لتحفظها في صفحات التاريخ المسموع، وهو تاريخ مرئي من خلال الرقصات والحركات المعبرة التي تعكس تفاصيل الأحداث التاريخية التي تعايشت مع الشعوب عبر مسيرتها التاريخية، وهو تاريخ ملموس من خلال الأزياء والأدوات المصاحبة للإيماءات والرقصات، التي تعبر عن ذوق شعبي رفيع، ينطق بأصالة الماضي العريق.