تدمير «النقل العام»... لماذا؟!
تعد وسائل النقل العام والطرق من الأمور المتعلقة بالأمن الوطني وسلامة الاقتصاد في كل دول العام، فحينما أضرب سائقو الشاحنات الأميركيون عن العمل وعطَّلوا وسائل النقل للأفراد والبضائع أمر الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الجيش والحرس الوطني الأميركي بالنزول للتعامل معهم كقضية أمن قومي.لذا، فإن معظم المدن المحترمة لديها شركات نقل عام جماعي تتبع الحكومات المحلية أو البلديات، لتنظيم النقل الجماعي، وتكون حصرية، لا تتنافس مع شركات أخرى، وتقدم تلك الخدمة للجمهور بأسعار مدعومة ومشجعة للعامة، لتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وخفض الازدحامات المرورية والتلوث، وتكون لها خطوط داخلية، وأخرى للمدن والقرى الخارجية، بالإضافة إلى شبكات المترو والقطارات. وفي أي دولة أوروبية أو بشرق آسيا المتطورة يعطي مكتب خدمات السياحة الزوار جدولين للنقل العام؛ أحدهما للحافلات والتابع لشركة واحدة، وآخر للمترو.
شركة النقل العام الكويتية، منذ إنشائها، شركة رائدة ومتميزة، حتى أصبح مجال النقل العام محط أنظار المستثمرين، فأصبحت شوارعنا مجالاً لسباق "الباصات الملوَّنة بألوان الشاكليت"، إضافة إلى فوضى المحطة الواحدة التي يتسابق للوقوف عليها ثلاث حافلات في وقت واحد بمنظر مخزٍ يشابه المدن الإفريقية والآسيوية محدودة الموارد.منذ بداية الألفية بدأ تدمير شركة النقل الحكومية الرائدة، وامتلأت شوارعنا بدخان الباصات وأصواتها المزعجة، بينما الرياض والدوحة تستعدان لافتتاح خطوط مترو الأنفاق خلال أشهر قليلة، فيما سبقتهما دبي بهذا المجال، وعندنا تتزايد الفوضى وتدمير كل مرفق وطني عام وتهشيمه؛ من الخطوط الجوية الكويتية، وشركة النقل العام، حتى المشروعات السياحية... فمَن المستفيد من ذلك؟!ينتقد البعض منح رخص القيادة للوافدين، ويبرر ذلك بالزحام والتلوث الناتج عن السيارات، لكننا نتساءل؛ لو أن وافداً أراد أن يعيش دون سيارة، فما البديل لوافد يشغل مهنة محاسب أو مهندس أو تقني محترم؛ سيارات الأجرة المهترئة، والتي غالباً لا يُستخدم فيها العداد ورائحتها كمطبخ مطعم مدراس لـ"السمبوسة"، أم شركات النقل العام التي ستحتكر ذلك القطاع خلال أيام، بينما مشروع مترو الكويت معطل منذ 14 عاماً منذ أن أقرَّه مجلس الوزراء في سبتمبر 2004؟!تروِّج الحكومة للنهضة والتنمية المقبلة والمدن الجديدة والجُزر المطوَّرة، لكن في الوقت نفسه تحدث أمور غريبة تحطم الصورة الوردية للمستقبل، فهل سننسخ الفوضى الموجودة في مدينة الكويت حالياً للمدن الجديدة؟! ومَن سيربط تلك المناطق الحضرية الجديدة في عمليات النقل والمواصلات للأفراد؟ هل سنتركها لشركات خاصة، لتفعل ما تشاء، أم يجب دعم شركة النقل العام الوطنية، لتكون هي الواجهة الحضارية والملتزمة مع خطط الدولة ورؤاها للأمور البيئية والجمالية للبلد فيما يُسمى بــ"كويت جديدة"؟!