مارين لوبان الكويتية
"نعطيهم كل ما يحتاجونه من رواتب وعلاج مجاني وتعليم وغيره، وتتكفل الدولة بالكفن والدفان عند وفاة أحدهم، ولو كانوا في بلد آخر لتمت محاسبتهم على مصاريف قبرهم (مع أنهم مقبورون بداية)، وصرفنا ثلاثين مليوناً من أموال الخير عليهم...."، ويعقّب مقدم اللقاء التلفزيوني، مبتسماً بنشوة التفضل المتعالية والمزايدة، على خطاب رئيس الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية: "يعني وضعهم أحسن من الكويتيين (احنا)..."!بهذه الصورة الفجة (على ما أذكر) من لقطات سريعة شاهدنا ذلك الغث المخجل، حين تم عرض قضية البدون الكويتيين في الدولة، وكـأنهم كائنات غريبة متطفلة هبطت من السماء، ولم يجد أشخاص السلطة غير خلق مثل هذا الجهاز، الذي من واقع تسميته ووصفه بعبارة "المقيمين بصورة غير قانونية"، يدين البشر البدون بحكم مسبق دون الحاجة إلى التأمل في واقعهم التاريخي، وهو واقع خلقته الدولة منذ البداية وعبر تشريع قوانين الجنسية، وما جرى بعد ذلك من نهج عشوائي خضع لمزاج السلطة الواحدة في منح أو الحرمان من الجنسية. "الإنسانيون" الرسميون في الدولة، ومعهم عنصريون متعالون، لا يكفون عن تضييق دائرة الهوية الكويتية يوماً بعد يوم، فهي هوية متعالية بجماعات محدودة من أبناء داخل السور، في مرات هم لا يتقبلون الطائفة الدينية المختلفة إلا على مضض، وفي مرات أخرى يرفضون - بصمت - أبناء القبائل، باعتبارهم من "الطارئين"، حسب ثقافة الأنا المتغطرسة، ولا يتقبلون كل "آخر" لم تتعود آذانهم على سماع رنين أسماء عائلاتهم، ثم يأتي أيضاً، وللمفارقة، الكثيرون ممن تم نبذهم ليمارسوا عملية استبعاد ثانية وثالثة لآخرين غيرهم، لأنهم لا ينتمون لقبيلتهم أو جماعتهم، ولأنهم في مركز اجتماعي مختلف عنهم.
هم بذواتهم، وقد تختلف أحياناً تقسيماتهم حسب مناسبة المواجهة العرقية أو الطائفية للآخر، صوروا، مثلاً، الوافدين وكأنهم جماعات انتهازية جاؤوا لنهب الدولة، وأن ما يستحق للأكثرية منهم (الوافدون) من رواتب وأجور هو في نهاية الأمر "تفضّل" من أهل الديرة عليهم، على ذلك لا مانع من حرمانهم من العلاج، وليتم فرض رسوم وضرائب عليهم وحدهم. وتتسع ثقافة "التفضل" وتتمدد لتشمل البدون مرة، والوافدين في مرات أخرى، وتتضخم "الأنا" الريعية لتبدأ عملية النبذ والاستبعاد لفئات أخرى، ولو كانوا كويتيين، طالما هؤلاء لم يكونوا مسجلين في قاموس المعارف القديم عندهم.طبيب جراح بدون (الشمري) توفي وهو يستعد لإجراء عملية لمرضى في مستشفى الجهراء، وتقرر الحكومة صرف راتبه - وهي رواتب غير متساوية مع نظرائه من حملة الجنسية - لأسرته، فيبدأ التصفيق والتهليل لصدقة وأريحية "التفضل" وإنسانية الحكومة، وهكذا تسير الأمور عند أحزاب تضخم الأنا الخليجي- الكويتي، يرافقه شعور طاغ عند أصحابه بأنهم وحدهم أصحاب الحقيقة والمصداقية الذاتية.قضية الهوية المنغلقة الرافضة للآخرين نشهد تعمقها وانتشارها مع تزايد المهاجرين من عالمَي البؤس العربي - الإسلامي والإفريقي، مؤشرها الفذ كان فوز الرئيس ترامب في الولايات المتحدة، وأيضاً نشهد تمددها لعدد من دول أوروبا الشرقية، مثل بولندا وهنغاريا، ثم تزايد نسبة المحافظين القوميين في الانتخابات بغرب أوروبا، مثل: إيطاليا والنمسا وألمانيا، أحزاب شبه فاشية تسير على نهج مارين لوبان الفرنسية، هنا ماذا سنفعل مع مجاميع مارين الخليجية و"شو" كوميديتهم السوداء؟!