«طفل من حقول الكاكاو»

هذا الواقع المتوحش المرعب منح رواياته العمق والقيمة الأدبية، فكلما كانت حياة الكاتب مليئة بالمصاعب والتحديات الإنسانية، غاصت كتابته في معنى وجوهر وتفاصيل الحياة أكثر وأكثر، وانعكست بكتاباته وفلسفته وعمق نظرته لما حوله، وهذا ما وجدته عند معظم الكتاب العظام الذين مروا بتفاصيل حياة قاسية وصعبة. حياة جورج أمادو هي من تلك الحيوات العميقة، التي عجنتها وخبزتها التجارب القاسية الصعبة المريرة، ليس فقط الطبيعة العنيفة للبرازيل. ولكن التزامه بقضايا وطنه وهموم المواطنين زاد عمق تجربته الحياتية، وتجواله القسري من بلد إلى آخر ومن سجن إلى آخر، إذ سيعتقل 12 مرة وستحرق كتبه وتمنع، حتى نفى نفسه إلى الأرجنتين، وهذا ما قاله عن نفسه: "لقد ناضلت من أجل القضايا العادلة، قاومت الأفكار الجاهزة، وتجرأت على ممارسات مرفوضة، وجبت السبل المحظورة، كنت الضد، وكنت اللا، أهدرت نفسي، بكيت، ضحكت، تألمت، أحببت، وتسليت". رواياته عكست واقع الحياة في البرازيل، وصورت حياته وحياة من حوله، وشكلت جزءا من تجربته الذاتية، فأبطال رواياته هم معارفه وأقرباؤه والناس من حوله، خاصة عمه ألفارو أمادو، الذي كان يتمتع بجاذبية خاصة ومقامرا من الدرجة الأولى، داهية يؤمن بالدهاء، وكان له تأثير كبير على شخصية جورج أمادو الطفل، فكلها شخصيات أسطورية عاشت بواقع خرافي أسطوري، وإن كان حقيقياً جداً.فمن يتصور حياة طفل يعيش في عوالم الحانات وكواليسها، حيث يغامر الكولونيلات والتجار العرب بأموالهم وحياتهم بالبوكر، ويتعلم فرط الورق وقواعد الخداع، ودخول بيوت الهوى والسهرات مع الفتيات بالأزقة الضائعة، حيث كن يداعبنه بحنان ويقصصن عليه قصص وأغاني ما قبل النوم، وهذا مقتطف يبين تعاطفه مع النساء الضائعات، العطوفات، بقايا الآدمية: "ماذا كنت سأصبح لو لم أكن روائياً للبغايا والمتشردين؟ إذا كان في ما أكتبه مسحة من جمال فمصدره هؤلاء المحرومين، وتلك النساء اللائي يحملن علامة الحديد الأحمر، واللائي كن على حافة الهلاك في أقصى درجات الإهمال. في الأدب وفي الحياة أشعر بي دائما أبعد من القادة، ومن الأبطال، أقرب إلى أولئك الذين ترفضهم وتحاكمهم الأنظمة والمجتمعات. إن القادة والأبطال فارغون، بلداء، مستبدون، غير محبوبين وأشرار، يكذبون حين يدّعون أنهم يتكلمون باسم الشعب، لأن الراية التي يحملون هي راية الموت، تولد الإنسانية من الذين لا يملكون جاذبية خاصة، ومن الذين لا يملكون ذرة نفوذ".جورج أمادو عدو الأيديولوجيات، ويراها تخنق الفكر المبدع بالنظريات والمفاهيم الدوغمائية، وتعوق تقدم الإنسان والإنسانية؛ لذا كان يحلم بثورة دون أيديولوجية.