بحسب الشركة المنتجة، قطع صانعو «عيار ناري» رحلة طويلة قبل تصويره، بدأت في 2012 حين عرض مؤلف الفيلم هيثم دبور الفكرة على المخرج كريم الشناوي فتحمس لها، ليبدآ أول تعاون بينهما في فيلم روائي طويل، وهما تعاونا معاً سابقاً في أفلام تسجيلية وروائية قصيرة عدة، من ضمنها «فردي» الذي شارك في مهرجانات دولية.

Ad

إتقان الشخصيات

يجسد أحمد الفيشاوي شخصية طبيب تشريح، من أسرة ثرية ووالده وزير سابق متهم في قضية فساد، لذا يتهرَّب منه ويلجأ إلى العمل في مشرحة «زينهم»، حيث يحلّ ألغاز حوادث القتل من خلال الجثث.

ورغم أنه ذكي وبإمكانه حل أعقد الجرائم، فإن فضيحة والده تجعله في حالة صراع دائم مع نفسه، ويؤدي تقريره عن سبب وفاة أحد ضحايا «اشتباكات لاظوغلي»، إلى توجيه اتهامات أخلاقية وسياسية له. وخلال بحثه عن الحقيقة يكتشف أن ثمة أوجهاً عدة لها، ومن ثم عليه أن يدركها كافة قبل أن يتخذ قراره الذي سيتحدد على أساسه مصير كثيرين.

أما روبي، فتجسد شخصية صحافية شابة، تحاول تحقيق مجدها الصحافي عبر تتبع الحقيقة والتعاون مع طبيب التشريح لإثبات صحة تقريره الذي نشرته في جريدتها عن وفاة إحدى ضحايا الاشتباكات وتمّ تكذيبه، ما تسبب في تشويه مصداقيتها. ومن خلال رحلتهما معاً، يتغير مفهومها عن معنى الحقيقة وتدرك أنها لا تكمن بالضرورة في ما تراه واضحاً إزاء عينيها.

محمد ممدوح بدوره يؤدي شخصية خالد، شاب شريف يعمل في محجر، تدفعه الظروف إلى قتل أخيه علاء دفاعاً عن والدته بعدها شاهده يحاول الاعتداء عليها، ويضطر إلى القول إن أخاه قُتل في «اشتباكات لاظوغلي». بعد ذلك، يتزوج من خطيبة المتوفي الحامل ولكنه يجد نفسه في صراع نفسي، خصوصاً مع تلقيه منحاً ومساعدات باعتباره شقيق الشهيد، في مقابل مطاردة دكتور ياسين ومها له لكشف حقيقة الأمر.

وتجسد عارفة عبد الرسول دور السيدة سيدات (أم علاء) وهي أم فقيرة لا تملك سوى ولديها خالد وعلاء، تحاول دائماً حمايتهما وتصاب بصدمة بعدما يتعرض ابنها الأصغر للقتل وفي الوقت نفسه تحاول حماية ابنها الأكبر خالد، فتنعزل في منزلها خوفاً من كشف الحقيقة. إلا أن مطاردة دكتور ياسين ومها تضطرها إلى الخروج إلى العلن.

أما علاء فيقوم بدوره أحمد مالك، شاب يتعرض للقتل خلال «اشتباكات لاظوغلي»، وتشير أقوال أهل الحارة إلى كونه شاباً جيداً يحظى بحب الجميع إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً.

أسماء أبو اليزيد تحضر في الفيلم بشخصية سلمى خطيبة علاء، شابة تتميز بجوانب إنسانية ونفسية عدة، ورغم الضعف الظاهر عليها فإن ردود فعلها قوية. تجد نفسها في صراع بين الكشف عن حقيقة مقتل خطيبها وبين شعورها بالامتنان لأخيه خالد وخوفها من الفضيحة، خصوصاً مع محاولات الدكتور ياسين تبيان الحقيقة.

تنسيق الإخراج والتأليف

يوضح المخرج كريم الشناوي أنه ركز في البداية على القصة، وخلال التصوير استند إلى السيناريو من أجل توحيد الرؤية مع هيثم دبور ودمج الصورة مع الكتابة، لافتاً إلى أن الرؤية المشتركة الواضحة ساعدت على تطوير السيناريو عبر تقديمه لجهات مانحة.

ويشير دبور إلى أن مرحلة كتابة مسودات السيناريو شهدت تطوير بناء كل شخصية وعلاقاتها مع الشخصيات الأخرى ودوافعها.

ويري الشناوي أن صعوبة تقديم فيلم كـ«عيار ناري» تكمن في انتمائه إلى تصنيف غير منتشر كثيراً في السوق المصري، لذا وضع إزاء عينيه هدفاً واضحاً هو صناعة فيلم سهل الفهم من دون أن يكون معقداً أو نخبوياً، مع الحفاظ على القراءات المتعددة له. وفي الوقت نفسه، اهتم بالحفاظ على مساحات التشويق، ما تطلب الاهتمام بأدق التفاصيل غير الكتابة والتصوير، مثل الديكور والملابس، بالإضافة إلى التأكد من فهم الممثلين الفيلم وأبعاده بصورة جيدة.

وعن خلو الفيلم من أي خطوط رومانسية، يوضح الشناوي أنه وهيثم لم يتحمسا لهذه لفكرة، لأنها تبدو تقليدية، مؤكداً أن العمل لا يبحث عن القاتل بل عن الحقيقة. ويتابع: «يقوم على جريمة قتل ولكنه في الأساس يستعرض حياة هؤلاء البشر بدوافعهم ومخاوفهم، ما يصنع حالة من التوتر لدى المشاهد الذي يحاول استقراء الشخصيات، وتوقع خطوتها التالية».

ويعترف الشناوي بأنه قلق من رد فعل الجمهور على الفيلم، خصوصاً أنه مشروعه الروائي الأول، مضيفاً أنه لا يدعم معسكراً بعينه، بل يشتبك مع الاتجاهات كافة، وأنه متحمس لما سيثيره «عيار ناري» من حالة نقاش، ويتوقع بعض الاعتراضات عليه.

في ما يتعلق بالأدوار، يوضح الشناوي أنه عمل على اختيار الممثلين المناسبين لكل دور، مع النظر إلى مدى قدرة كل منهم على أن يضيف إلى الشخصية. وكان الأهم الجمع بين أصحاب الخبرة وبين الوجوه الجديدة، مضيفاً أن الجلسات معهم لم تكن لقراءة النص بقدر الحديث عن كل شخصية وأبعادها وخفاياها، مع التشديد على عدم التدخل في أسلوب التمثيل، فهو تركهم لتقديم ما نتج عن استيعابهم الشخصيات.

اتساق الديكور والتصوير

بشأن الديكور يقول المهندس علي حسام إن تنفيذ المشاهد تطلّب جهداً كبيراً، وإنه وضع نفسه إزاء تحدي تحقيق الاتساق بين مواقع التصوير سواء المشرحة، أو صالة التحرير، أو الحواري، أو بيوت الأبطال. ويضيف مدير التصوير عبد السلام موسى أن مشاهد اللقطة الواحدة الطويلة كانت صعبة نظراً إلى ضيق مساحة الحارة، لذلك نفذوا بروفة كاملة بحركة الكاميرا ودرسوا كيفية تقليل مدة المشهد والتفاصيل الخاصة بتغيير الديكور والإضاءة وملابس الممثلين، ولضمان عدم الوقوع في الأخطاء فإنهم صوروا مشهد البداية ثم مشهد النهاية بغرض فهم المساحة التي تتحرك فيها الكاميرا، خصوصاً مع وجود عدد كبير من الممثلين في مشهد واحد، واستغرق ذلك وقتاً طويلاً وأرهق المصور نديم جورج.

ويشير الشناوي إلى بناء ديكور مشابه تماماً لمشرحة زينهم، إذ أراد فريق العمل ابتكار شكل لخيالات البطل في بعض المشاهد، توصل إليها من خلال النقاشات بينه وبين مدير التصوير، الذي يوضح أن فريق عمل الفيلم زار المشرحة في الحقيقة، ولكن نظراً إلى صعوبة التصوير فيها، تقرر بناء ديكور لها في الجامعة العمالية مع إضافة تعديلات لإغناء المشاهد.

إطلالة الشخصيات

عامل الملابس كان بارزاً في «عيار ناري»، وكانت المشرفة في هذا المجال ناهد نصر الله، التي أوضحت أن أول فكرة خطرت لها بعد قراءة السيناريو ضرورة أن تكون الملابس واقعية وحقيقية لتتناسب مع طبيعة الفيلم، وتكون قريبة من المشاهد.

وأشارت إلى أن الوصول إلى الشكل النهائي لإطلالة الشخصيات استغرق مناقشات عدة بينها وبين المخرج كريم الشناوي. ويشيد الأخير بالتعاون بين الأقسام الفنية، مشيراً إلى التفاهم مع مدير التصوير عبد السلام موسى ومهندس الديكور علي حسام، والاتفاق منذ البداية على أن الفيلم حقيقي وواقعي، من ثم حقق مهندس الديكور ذلك في تصميمه، فيما تغلب حسام بمهارة على مشاكل محدودية المساحة المتاحة، وتوصلت ناهد نصر الله إلى شكل الشخصيات الخارجي المطلوب.