دارت عجلة الجدل حول وجود أصنام قابلة للعبادة، على طريقة هُبل واللات والعزّى. وهو اكتشاف خطير، حيث إن تلك الأصنام جاءت عبر آلة استنساخ ثلاثية أو رباعية الأبعاد، فلكَ أن تتخيل كمية الأصنام المنتجة، حيث سيتوفر صنم لكل مواطن. إلا أن اللافت في الموضوع هو تحوّل ذلك الجدل بالتدريج، وخلافاً لسوابق مشابهة، إلى حالة ساخرة، موقعه الطبيعي.هذا النوع من الجدل هو قديم جديد، كحُرمة تعلّم اللغة الإنكليزية، أو استخدام الراديو، وغير ذلك كثير، يعاد إنتاجه في لحظات الخسوف الوجداني، والفراغ العاطفي.
الذين يعيدون إنتاج ذلك الجدل، ويضعونه على خريطة اهتمام مجتمع مرهق، ضمن محيط إقليمي غارق بالحروب ودماء الأبرياء، هذه بضاعتهم، لا يوجد غيرها، لكي يصبح ما هو ليس بصنم صنماً، لتتسق الأمور، فالأصنام موجودة بيننا، فأي شيء يمكن أن يكون صنماً، فإن لم يكن كذلك خلقناه صنماً وصورناه صنماً لحاجتنا إليه، لكي نقذف شيئاً ما بحجر. حقيقة الأمر هي أن لدينا أصناماً، إلا أنها ليست أصناماً صنعتها الأجهزة للتسلية ربما، بل أصنام بشرية تمشي على رجلين، وتنشر خطاب الكراهية، وتفتري على البشر، وتثير الأحقاد، وتدعو إلى الفتنة، وتحرّض على العنف، وتدعو للعنصرية، وتفتيت المجتمع. هذه الأصنام البشرية، لها أتباع كالعبيد، تطيعها وتقدسها وتجلّها، ولا تقبل فيها نقداً ولا قدحاً، بل طاعة عمياء لتلك الأصنام البشرية دون تردد.وهي طاعة عمياء لدرجة أن ذلك التابع لذلك الصنم البشري، لا يقبل كلامه فقط، ولكنه مستعد أن يقتل إنساناً بريئاً، لا يعرفه، ولا يدري لماذا قتله، كالذي قتل "الموءودة" لا لذنب إلا لأنها أنثى، طاعة عمياء لتقاليد تمييزية قاتلة. ليت الجدل حول أشكال مستنسخة، رباعية أو ثلاثية الأبعاد، ينتقل إلى أصنام الزمن الرديء من البشر، الذين صاروا كالآلهة المقدسة، لا يأتيها الباطل من أي مكان، وهي ليست بالضرورة حاملة لمنطلقات دينية، بل تحمل كل أشكال الأفكار المدمرة للمجتمع، فأيهما أخطر، أشكال هندسية عبر آلات استنساخ لا تسمن ولا تغني من جوع، أم أصنام بشرية تدمر المجتمع في زمن رديء؟!
أخر كلام
أصنام الزمن الرديء
24-09-2018