قالت نائبة الرئيس التنفيذي في مجموعة بنك الكويت الوطني شيخة البحر "إن مستقبل العمل المصرفي في الكويت، ينظر إليه بعين التفاؤل، لاسيما أن هذا القطاع مهيأ لدخول دورة عمل إيجابية تزخر بالكثير من الفرص".وفي كلمتها، التي ألقتها خلال مؤتمر يوروموني، الذي عقد أمس، أكدت البحر أن رؤية الكويت 2035، والتكنولوجيا التي تشهدها الخدمات المصرفية من شأنهما أن تخلقا الكثير من الفرص المستقبلية لقطاع البنوك في الكويت.
وأضافت أنه على مدى العقد الماضي، تغيَّرت طبيعة العمل المصرفي بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، إذ شهدت الصناعة المصرفية انكماشاً وتدخلاً من الحكومات، في حين اختفت بعض المؤسسات المالية العملاقة. وشهدت أيضا عمليات اندماج وبيع للأصول وحالات إفلاس.وأشارت إلى أنه وعلى غرار ما حدث في الأسواق العالمية، مرَّت المنطقة بموجات متشابهة من التغييرات، وإن لم تكن بحدة الظروف الاقتصادية ذاتها، التي ضربت الأسواق الأكثر تطوراً، لكنها نالت نصيبا من الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية. وأوضحت أن المنطقة واجهت تداعيات طويلة الأمد من الأضرار التي لحقت بالاقتصادات الأكثر تطوراً، وكذلك تقلبات واختلالات الأسواق الناشئة، مشيرة إلى مرور المنطقة بتحدٍ إقليمي قوي، ألا وهو الربيع العربي.وأكدت أن جميع التحديات التي مرت بها المنطقة يمكن أن تؤدي بسهولة إلى انهيار الاقتصادات والأنظمة المصرفية معها، لكن صمدت الأنظمة المصرفية بشكل جيد جدا، مشيرة إلى أن النظام المصرفي في الكويت استطاع أن يخرج من تلك التحديات أكثر صلابة وبموقع أفضل بكثير للمستقبل.وبينت البحر أنه قبل عشر سنوات، وتحديداً في 15 سبتمبر 2008، قدَّم بنك ليمان براذرز طلب إفلاس هو الأكبر في التاريخ، تبع ذلك انهيار عالمي في الأسواق المالية وموجة من التعثرات في أكبر المؤسسات المالية في العالم، والتي كانت بمثابة البداية الرسمية للأزمة المالية العالمية.وأشارت إلى أنه على الرغم من أن التكامل بين الأنظمة المالية، في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمؤسسات المالية العالمية، كان محدوداً، فإن تأثير الأزمة كان حتمياً، إذ تراوحت تداعيات الأزمة من ركود اقتصادي عالمي إلى انخفاض أسعار الأصول، وصولاً إلى تراجع أسعار النفط وشح السيولة العالمية، موضحة أن كل هذا أدى إلى تأثير العدوى التي شهدتها أسواقنا الإقليمية، على الرغم من الانكشاف المباشر المحدود جدا على ديون الرهن العقاري الأميركي، التي كانت السبب الرئيسي في الأزمة المالية العالمية.وأكدت البحر أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تكن بمنأى عن الأزمة، إذ أصبحت جودة الأصول مشكوكا فيها جدا، بينما باتت احتياجات إعادة التمويل أكثر صعوبة، وبدأ نمو الائتمان يتباطأ. كل ما سبق نتجت عنه مشاكل في قطاعات اقتصادية مختلفة، على سبيل المثال: تدهور سوق العقار، بينما تعثرت بعض المجموعات الكبرى، وانهارت شركات استثمار معروفة في الكويت.وأوضحت أنه، خلال السنوات القليلة التي سبقت الأزمة، سجل الائتمان في الكويت نمواً مرتفعاً نسبياً، مع وجود تركز في قطاعات العقار، وشراء الأسهم، وشركات الاستثمار(نحو 50% من إجمالي قروض القطاع عام 2009)، وكلها تضررت بشدة من الأزمة. ونتيجة لذلك، تعرض القطاع المصرفي للضغط، مع تدهور جودة الأصول (بلغت نسبة القروض المتعثرة من إجمالي القروض ذروتها في عام 2011 حين بلغت 11.5%)، مما أدى إلى فجوة مخصصات مع انخفاض نسبة تغطية القروض المتعثرة إلى نحو 60% في عام 2009 مقارنة بـ 87% ما قبل الأزمة.وأشارت إلى أنه قبل أن تتعافى الاقتصادات الإقليمية والنظم المصرفية من آثار الأزمة المالية، باغتت المنطقة أحداث أخرى، تمثلت فيما يدعى "الربيع العربي"، ففي معظم بلدان المنطقة، عدم الاستقرار لا مفر منه، مما زاد الضغوط على الأنظمة المالية. وبناء عليه، شهدت اقتصاديات إقليمية موجة من تخفيض تصنيفاتها، نتيجة للمخاطر الجيوسياسية المتنامية وما صاحَبَها من عدم اليقين حول سلامتها.وقالت البحر إن الحكومات في جميع أنحاء العالم بدأت باتخاذ إجراءات مختلفة لتهدئة الأسواق واستعادة الثقة في صناعاتها المالية، وذلك في ردها على الأزمة بشكل عام. وأوضحت أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تدخَّلت على الفور، وبقوة، لطرح حزم التحفيز المالي من أجل رفع مستوى النشاط الاقتصادي وتخفيف أثر الركود العالمي. كما أجرت الحكومات الخليجية العديد من التدخلات، إما من خلال القوانين واللوائح أو من خلال ممارسات السوق التي تهدف جميعها إلى استعادة الثقة في الاقتصادات المحلية وإرساء الاستقرار في النظم المالية.
نهج استباقي
وفي الكويت، أصدرت الحكومة على الفور قانوناً جديداً يضمن الودائع المصرفية. وفي عام 2009، تم طرح قانون الاستقرار المالي الذي منح النظام المصرفي مزيداً من الاستقرار، وبدأ في معالجة السلامة المالية العامة للنظام.وأكدت أن بنك الكويت المركزي اتخذ منهجاً استباقياً، خلال تلك السنوات الصعبة، إقراراً منه بالمخاطر التي ظهرت في القطاع نتيجة للانكشافات السابقة، والعمل على أصعدة متعددة لاستعادة مصداقية النظام المصرفي، كما اعتمد بنك الكويت المركزي منهجاً متوازناً وتدريجياً في تنفيذ اللوائح المالية. وذلك بهدف زيادة مرونة النظام دون تعرض التعافي الاقتصادي لمخاطر.وأوضحت أنه طوال مرحلة التعافي أدى النهج المُحافظ لبنك الكويت المركزي المتعلق بالمخصصات، من حيث إلزام البنوك بحجز مخصصات احتياطية عامة ومحددة عالية، وتحسين تغطية القروض المتعثرة، مشيرةً إلى أنه، خلال الفترة اللاحقة، أصبحت الكويت من بين أوائل الدول التي تبنت معايير بازل 3، والتي دفعت جميع البنوك إلى تعزيز مراكز رأسمالها، في ظل وجود مصدّات رأس مالية قوية جدا، والتركيز على رأس المال الأساسي.ركيزة التنمية
وأوضحت البحر أن القطاع المصرفي في الكويت سيكون له دور رئيسي في دعم الحكومة وتنفيذ ركائز خطة التنمية، مشيرة إلى أن هناك تفاؤلا كبيرا يعبر عنه العنوان الرئيسي لخطة التنمية في الكويت، والذي يصفها بأنها "نهج موحد نحو مستقبل مزدهر ومستدام". وأضافت أن خطة التنمية الوطنية تنبع من رؤية صاحب السمو أمير البلاد للكويت الجديدة بحلول عام 2035، وتتمحور الخطة حول سبع ركائز أساسية تستهدف تحويل الكويت إلى مركز إقليمي ومالي وتجاري وثقافي رائد، بحلول عام 2035.وأكدت أن السنوات الأخيرة شهدت طفرة ملحوظة في النشاط المتعلق بالمناقصات وترسية المشاريع كجزء من خطة تستهدف تحديث البنية التحتية في الكويت، وهو ما ينطبق على جميع القطاعات، مما يؤكد التزام الحكومة بخطة التنمية، وتتنوع المشاريع التي يجري تنفيذها حالياً، والتي تتضمن قطاع النفط بكل مراحله، والنقل، والرعاية الصحية، والإسكان والمرافق، وهو ما سيلعب دوراً في تحسين نشاط القطاع الخاص والحفاظ على التنوع الاقتصادي.وأشارت إلى أن إجمالي ترسيات المشاريع وتنفيذها سيظل محركاً رئيسياً للنمو غير النفطي، خلال السنوات القليلة المقبلة، مضيفة أن عمليات ترسية المشروعات في عام 2018 حافظت على وتيرة ثابتة، ومن المتوقع أن تزداد خلال الفترة اللاحقة، كما يتوقع ظهور استثمارات كبيرة لاسيما في قطاعي النقل والبناء. وتشمل الخطط الرئيسية تطوير مشاريع الإسكان الضخمة، وتوسعة المطار، ومشاريع المطار الجديد، بالإضافة إلى مشروعات البنية التحتية التي تشمل أعمال طرق والجسور ذات نطاق واسع، ومن المتوقع أن يستمر مستوى هذا النشاط، معربة عن تفاؤلها الكبير بسرعة تنفيذ المشاريع.وأوضحت أن القطاع المصرفي سيكون له دور مهم في دعم وتطوير البنية التحتية في الكويت على المدى البعيد. ويترافق هذا الدور مع الكثير من الفرص التي لن تنحصر فقط في تمويل هذه المشاريع، بل تتعداها إلى تقديم خدمات مصرفية متكاملة لدعم هذه الجهود، بدءاً من نشاط الإقراض الأساسي والتعاملات البنكية الأكثر تعقيداً، وصولاً إلى الاستشارات والتسهيلات التجارية، وأسواق رأس المال والأعمال المصرفية الأخرى. وقالت البحر إن الفرصة المتاحة أمام البنوك الكويتية لا تنحصر بارتفاع مستوى النشاط الاقتصادي، إذ تستقطب خطة التنمية، بالنظر إلى حجمها عدداً كبيراً من المؤسسات المالية والشركات الإقليمية والدولية المؤهلة تأهيلاً عالياً، وهذا من شأنه أن يحسن من الصناعة المصرفية في الكويت خلال نقل أفضل الممارسات ومعايير الصناعة العالية إليها.تكنولوجيا المصارف
وأكدت البحر أن مستقبل القطاع المصرفي يكمن في التكنولوجيا، وكي تهيئ البنوك نفسها لهذا الواقع الجديد، فإنها بحاجة إلى الإنفاق على بناء منصات تكنولوجيا المعلومات والاستثمار في الواجهة الأمامية للتكنولوجيا، أي الخدمات التي يراها العميل.وأضافت أن التكنولوجيا باتت تسيطر على عالم الخدمات المصرفية، وتسهم في تحول خدماته. ولم تعد الرقمنة موضوعاً مثيراً فحسب للمديرين التنفيذيين، بل تحولت إلى مجال يتطلب مصادر كبيرة من الموارد المالية والبشرية.وأشارت إلى أنه، وفي ظل الوتيرة المتغيرة والسريعة، ستقود التكنولوجيا قريباً كل شيء في مجال الخدمات المصرفية، وشهدنا بالفعل تطورات مهمة في السنوات الأخيرة كان يمكن اعتبارها مستحيلة الحدوث قبل عشر سنوات.وقالت إنه خلال السنوات الأخيرة صعدت شركات التكنولوجيا المالية (Fintech)، نتيجة للطلب المتزايد على الخدمات المالية القائمة على التكنولوجيا، وهذا الاتجاه لن يتباطأ في الوقت القريب، بينما سيؤثر ما بات يعرف بالتكنولوجيا المزعزعة (Disruptive Technology) على القطاع المالي بنفس الطريقة التي أثرت بها في صناعات أخرى، وفي بعض الحالات الأخرى حوَّلتها بشكل كامل.وأكدت أن شركات مثل أبل وأمازون ونتفلكس ويوتيوب وفيسبوك وغيرها أدت إلى تحول كامل في صناعات مثل الاتصالات والتجزئة والترفيه، تبع ذلك سقوط قادة الصناعة الذين فشلوا في التأقلم مع المتغيرات في السوق، والصناعة المصرفية ليست بمعزل عن هذا التحول.وأوضحت البحر أن التحول الرقمي للخدمات المصرفية، مع تزايد انتشار الهواتف المحمولة واستخدام الإنترنت، سيصبح أمراً لا مفر منه، وسيكون الابتكار هو المحرك للنمو بالنسبة للمصارف لاحقاً، لاسيما في منطقتنا، حيث التركيبة السكانية شابة جداً ومُلمة جدا بالتكنولوجيا. وبينت أنه في عالم اليوم نعيش بالفعل في عصر الإنترنت والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، والمعاملات البنكية بدون اللمس، والمحافظ الرقمية، والعملات الافتراضية، فضلاً عن غيرها من التقنيات الأخرى التي لا تزال في مرحلة التطوير. ومع ذلك، مازالت تشهد التكنولوجيا قفزات كبيرة، وقريباً جداً سيتعين على المنصات المصرفية استيعاب الذكاء الاصطناعي والروبوتات كمعيار مشترك لكل من العمليات المصرفية وتعاملات العملاء.وقالت البحر "في الوقت الذي تثير التكنولوجيا والابتكار في القطاع المصرفي اهتماماً متزايداً، لابد من الإشارة إلى وجود خطر متنام ومتزايد في أنحاء العالم من الهجمات السيبرانية، وقرصنة البيانات والتلاعب، بالإضافة إلى الاحتيال في المعاملات. هذه الاتجاهات تشكل ضغوطاً علينا كمديرين تنفيذيين في البنوك، ليس فقط للاستثمار في التكنولوجيا والرقمنة، ولكن أيضاً للتركيز بشكل مماثل على المخاطر المرتبطة بهذا الاتجاه الناشئ".واختتمت البحر كلمتها أمام المؤتمر بالقول: "إن الخطط المستقبلية لا قيمة لها، إذا لم يكن لدينا رأس مال بشري قادر على تنفيذها والاستمرار بها"، مشيرة إلى أن رأس المال البشري هو من بين الركائز الأساسية في خطة التنمية، وستظل هناك حاجة إلى مواصلة رفع كفاءة وتحسين النظام التعليمي، لتخريج كوادر أفضل تكون مؤهلة تأهيلاً عالياً، وأكثر قدرة على المنافسة، مع مجموعة المهارات المطلوبة للمضي قدماً في رسم مستقبل مضيء لبلدنا الحبيب الكويت".الأكثر سلامة بالمنطقة
أكدت البحر أن النظام المصرفي في الكويت هو الأكثر سلامة في المنطقة، فهو في وضع جيد جداً يؤهله للنمو المستقبلي وجاهز لامتصاص أي صدمات اقتصادية، لافتة إلى أن الأرقام تؤكد أن النظام المصرفي اليوم في وضع أفضل بكثير، مقارنة بسلامة القطاع قبل الأزمة.وقالت: من جهة أخرى، تعتبر جودة الأصول حالياً في أفضل حالاتها، إلى جانب انخفاض نسبة القروض المتعثرة لمستوى قياسي يقترب من 1.9% وتغطية قياسية لخسائر القروض عند نحو 230%، بينما تعد رسملة البنوك ضمن مستويات مريحة جداً وأعلى بكثير مما تتطلبه المعايير الدولية، وغالباً مدفوعة برأس المال الأساسي.وأشارت البحر إلى أنه، وعلى صعيد حوكمة الشركات، وعمليات إدارة المخاطر، ومستويات السيولة، والتركزات، ونوعية العاملين في القطاع المصرفي؛ يمكن القول إنها تحسنت بشكل ملحوظ على مر السنين، مما جعل النظام المصرفي الكويتي على قدم المساواة مع الأسواق الأكثر تطوراً بالنسبة لسلامة الممارسات المصرفية، التي خضعت بشكل منتظم خلال الفترة الأخيرة إلى رقابة وتوثيق أطراف ثالثة خارجية، والأهم من ذلك أنها انعكست في النظرة المستقبلية والتصنيفات الائتمانية للنظام المصرفي.