بينما يواجه الفنزويليون نقصاً متكرراً وغير مسبوق في الغذاء والدواء، فضلاً عن أزمة اقتصادية عززتها معدلات التضخم العليا في العالم والأجور الدنيا في المنطقة، يواصل الرئيس مادورو إرسال ملايين البراميل من النفط الخام المدعوم إلى كوبا.يشهد إنتاج النفط الفنزويلي تراجعاً كبيراً، وتعاني الحكومة نقصاً في المال لشراء سلع أساسية مثل الطعام، أو الأدوية، أو السلع الاستهلاكية، كذلك لا تملك الأموال لتسدد ديونها، ولم يجرِ أيضاً التداول في سوق صرف العملات الرسمية الوحيدة في البلد إلا بنحو عشرين مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2018، في حين أن قيمة ما كانت تتداول فيه فنزويلا في عام 2002 بلغت ثمانين مليون دولار يومياً.
تشير منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) إلى أن إنتاج النفط في فنزويلا تراجع في شهر أغسطس بمعدل 1.23 مليون برميل في اليوم، أي أقل من إنتاج شهر يوليو بنسبة 2.8%، علماً أن هذا الرقم الأدنى منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي. نتيجة لذلك يستعد هذا البلد لإقفال ثلاث من كبرى مصافيه بسبب نقص العمال والنفط الخام. ما كان أحد يتخيل هذا الوضع قبل نحو عقدين حين كانت شركة النفط التابعة للدولة وأساس اقتصاد البلد، PDVSA، مزدهرة جداً، حتى إنها صُنفت الفضلى في أميركا اللاتينية.رغم كل هذه التطورات، يعِد وزير الطاقة والنفط مانويل كيفيدو بالمستحيل، فخلال لقاء لمنظمة أوبك، أعلن أن شركة PDVSA ستنجح قبل شهر ديسمبر في بلوغ الهدف الذي حدده مادورو بإنتاجها مليون برميل إضافي من النفط يومياً.لا شك أن هذه مهمة بالغة الصعوبة على أقل تقدير، إذ يذكر خبير الاقتصاد ريكاردو هوسمان، مدير مركز التنمية الدولية في جامعة هارفارد: "تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50% لأن الواردات انخفضت أكثر من 80% وواردات القطاع الخاص أكثر من 90%".رغم ذلك، تأبى الحكومة التضحية بدعمها للنفط الذي ترسله إلى كوبا بسبب التزامها بائتلافهما الاشتراكي، فقد استأنفت PDVSA مد هذه الجزيرة بالنفط، الذي وصلت كميته هذه السنة إلى 11.74 مليون برميل، أي نحو 49 ألفاً في اليوم، بالإضافة إلى ذلك بلغت الكمية 4.19 ملايين برميل بين شهرَي يونيو وأغسطس.تشكّل كوبا اليوم عماد النظام الفنزويلي، فتقدّم هافانا لمادورو أدوات القمع وأجهزة الاستخبارات التي تتيح له البقاء في السلطة رغم موجة المعارضة التي يواجهها، وتشير وثائق من وزارة الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات الخاصة "ستراتفور" نشرها موقع ويكيليكس إلى أن تشافيز بدأ برنامج التعاون مع كوبا.قضت الصفقة بأن تستخدم كاراكاس النفط لتسدد كلفة خدمات عشرات آلاف الكوبيين العاملين في المجال الطبي الذين كُلفوا بالعمل في فنزويلا، لكن هذا البرنامج، الذي كلّف فنزويلا في مرحلة ما أكثر من خمسة مليارات دولار في السنة، سدد أيضاً ثمن مساعدة كوبا في مجال الاستخبارات ومسائل الأمن القومي.وهكذا تلقت الاستخبارات الفنزويلية دعماً كبيراً عقب التحالف بين تشافيز وكوبا. ولهذا السبب شعر هذا الحاكم المستبد بأنه مدين لآل كاسترو، فقد أصبح نظامه أكثر قدرة على كشف المؤامرات والتجسس على المعارضة، وكل ذلك بفضل العدد الكبير من الكوبيين الذين شاركوا في جمع المعلومات.أدرك مادورو وحلفاؤه أن جهاز الاستخبارات الفنزويلي SEBIN ما كان ليحقق هذه الفاعلية الكبيرة لولا الكوبيين، وإذا قررت هذه الجزيرة في أي وقت سحب تعاونها، فسيُضطر مادورو إلى تطوير قدرات استخباراتية بسرعة، وإلا فسيواجه المشاكل، ولا شك أن هذا خطر لن يكون هذا القائد مستعداً لمواجهته.في الوقت عينه يعي رئيس كوبا راؤول كاسترو أن خططه لفنزويلا متقلقلة جداً، فما عاد بالإمكان التضحية بمادورو وتعيين شخص مثل طارق العصامي، أو ديوسدادو كابيلو، أو أي سياسي آخر من أتباع خط تشافيز مكانه، فقد انقضى وقت اتخاذ خطوة مماثلة عندما بدؤوا بقتل المتظاهرين في الشوارع. بالنسبة إلى كوبا، يمثل سقوط مادورو أكبر ضربة قد يتلقاها سعيها لنشر الاشتراكية في أميركا اللاتينية، وبالنسبة إلى مادورو تُعتبر كوبا أحد داعميه القلائل الذين يحولون دون انهيار نظامه فجأة. لذلك يبدو مادورو مستعداً للقيام بكل ما يلزم للحفاظ على هذا الوضع، وإن عنى ذلك تجويع شعبه حتى الموت.* جورج ك. كاراسكو*«كاب إكس»
مقالات
مادورو يهب النفط لكوبا في حين يجوع الفنزويليون
27-09-2018