هل ستقفل عند فرّاش البلدية؟!
أفضل لو يخفف الإعلام من حماسه وفرحه لكشف الاتهامات الموجّهة إلى بعض المتورطين في الاختلاسات الأخيرة من الأموال العامة بوزارة الداخلية، ويوفر هذا الحماس حين تعمم هذه الملاحقة القانونية لمعظم مؤسسات الدولة أولاً، وتتمدد صحف الاتهام القضائي، ثانياً، ليس "أفقياً" فقط، كما هو حادث الآن وبحكم العادة التي نعرفها، وإنما تعلو "رأسياً" للرؤوس الكبيرة التي وفّرت وهيأت ظروفاً ومناسبةً لمثل تلك الممارسات المجرّمة، وأيضاً يبدأ التحقيق الجدي لتفكيك شبكات مافيا الفساد واستغلال النفوذ من ألِفها إلى يائها. ومع كل التقدير لجهود الذين قاموا بكشف السرقات الأخيرة في "الداخلية"، وإحالة القضية إلى النيابة، وخصوصاً وزيرها الشيخ خالد الجراح، رغم ما يقال من أن الموضوع كان جاهزاً للإحالة منذ فترة طويلة، وكان ينتظر الإشارة الخضراء للمضيّ في الاتهام؛ يبقى أن ندرك أن الذين تمت إحالتهم إلى النيابة حتى الآن لا يخرجون عن معيار "فرّاش البلدية"، الذي يتحمل وزر وجرائم الكبار، الذين هم فوق المساءلة وفوق الشبهات، هؤلاء الكبار يحصنّون أنفسهم من المساءلة مسبقاً بتحميل عبء المسؤولية على القابعين عند أول عتبات سلّم الفساد في الجهاز الإداري.
في غياب أو هزال المؤسسات الفاعلة "المستقلة" لملاحقة جرائم المال العام، والتي توفر الردع الكافي لمنع ارتكابها مسبقاً، كالتي توجد في الدول المتقدمة، يصبح الرهان على أفراد وطنيين يتقلدون المناصب العامة، ويتحلّون بقيم أخلاقية عالية، وملتزمين بمعايير النزاهة، هو المحك في البداية حتى تنهض تلك المؤسسات الفاعلة، وتصبح جزءاً أصيلاً من قيم المجتمع ونهج السلطة فيما بعد، ولنا - أخيراً - في تجربة مهاتير محمد في ماليزيا خير مثال، فهو لم يبدأ من أسفل السلّم لتنظيفه، وإنما شرع من الأعلى.هل نتأمل خيراً في القادم، أم سنظل نراوح مع فرّاش البلدية؟... اسألوا أنفسكم... وستجدون الإجابة.