التعلم هو فطرة الإنسان، وهو الطريق الوحيد للتقدم، ودون التعلم والممارسة المستمرة فإن العقل يضمُر وتصبح قدراته محدودة، فيطفو في مستنقع الحياة اليومية المفرطة في عاديتها فحسب، ولا يرتقي نحو الإبداع والاختراع. إن الأنا تمنعك من التعلم وتصحيح أخطائك، ففي الكثير من الأحيان يكون الطفل خير معلم لوالديه ويكون التلميذ خير درس لأستاذه. وكذلك السفر، فهو معلم ضليع في عمق الحياة وتنوع ثقافاتها، وهو من أفضل الطرق لتذويب الأنا والتمركز حول الذات. افتح نوافذ أفقك، فيمكنك التعلم من كل شخص ومن كل تجربة، لذا لا تقلل من شأن أحد. الأنا باختصار، هي عائق نضعه أمام أنفسنا يمنعنا من النمو والتطور، لكن العقل العربي يحب التقسيمات وتقديس الألقاب والشخوص، مما يزيد من صلابة الأنا وصعوبة تفتيتها، فهو يهاب التغيير والانتقاد– مهما كان صادقاً وبناءً- فما بالك إن أتى من "الأخ الأصغر"؟ هذا حال العقل العربي الذي طال لعقود ممتدة، فهو ذو أنا حساسة تثير حفيظتها أبسط الأمور، يخشى الاعتراف بأنه لا يعرف كل شيء، إذاً كيف سيحدث التطور والتغيير؟
أما العائق الآخر أمام التعلم فهو الخوف من الفشل، لذلك يعتبر البعض تجربة أي شيء جديد شيئاً مفزعاً، ويمكننا أن نعوّل ذلك الخوف أيضاً على الأنا التي تخاف أن يجرحها عدم مقدرتها على النجاح في عمل شيء ما من المرة الأولى على الرغم من أن ذلك أمر طبيعي تماماً.لدينا الكثير من الأفكار المغلوطة عن استمرارية التعلم والتجدد، فالكثير يرى أن التعلم يقف عند عمر معين ولا داعي لقراءة المزيد بعد ذلك، بل الأسوأ من ذلك أن الكثير منا يعتقد أن الحياة بأكملها تتوقف عند التقدم بالسن، وينتج عن ذلك الكثير من الآثار السلبية التي قد تضر الشخص نفسه ومن حوله. ما أجمل الحياة المستقلة واكتشاف هذا العالم الشاسع، ولنا في مسني الدول المتقدمة خير مثال، فهم ما زالوا يمارسون الرياضة وكل ما يحبون من هوايات، ويسافرون العالم ويواكبون التكنولوجيا.وبالإضافة إلى العوائق النفسية والداخلية التي قد تمنع البعض عن العلم والمعرفة، فإننا وللأسف نرى الكثير من العوامل الخارجية التي تنفّر الناس من القراءة وتطوير الذات في الكويت. اجتماعياً فإن القارئ المثقف يعتبر غريباً، فالناس لم تعتد على مظهر حمل كتاب إلا في المدارس وعلى المقاعد الدراسية، والغالب هنا لا يرى أي فائدة أو مردود للقراءة للأسف. وقد تصل الأمور أحياناً إلى ما هو أسوأ من ذلك، فيتم نبذ القارئ وتكفيره وهو أمر مضحك ومحرج لنا إذا ما قارنّا أنفسنا بالدول المتقدمة حيث القراءة أسلوب حياة.أما سياسياً فإن منع الكتب كارثة ونقطة سوداء ستسجل في تاريخنا بكل أسى. الغريب في الأمر هو وجود مؤيدين لهذا القرار ونحن في عام 2018. حسناً، ربما ليس الأمر في هذه الغرابة في ظل وجود أناس تخشى الطباعة ثلاثية الأبعاد وتراها أصناماً تخشى عبادتها! ذلك بالإضافة إلى سوء التعليم وتدهور مستوياته. لذا يجب أن يكون لدى الدولة توجه ثقافي حقيقي يعيد الكويت إلى مكانتها السابقة كعاصمة ثقافية عربية، ولابد من تشجيع أبنائها على التعلم والتفكير المستقل، وبذلك فقط سنرى بوادر التطور والإبداع.*"الجهل الحقيقي ليس في غياب المعرفة، بل في رفض اكتسابها". (كارل بوبر).
مقالات - اضافات
الجهل الحقيقي
28-09-2018