ما سمعناه وسمعه العالم كله من الرئيس دونالد ترامب ووزير دفاعه جيم ماتيس وأيضاً من مستشاره للأمن القومي جون بولتون، إنْ من فوق منصة الخطابة في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك أو في مقر وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، يدل على أن الولايات المتحدة باتت جادة بالفعل لتوجيه ضربة أو ضربات تأديبية وتدميرية لإيران، وهذا إنْ لم يسارع المسؤولون الإيرانيون إلى إعادة النظر في مواقفهم الاستفزازية كلها، ويصبحوا مع هذه المنطقة وجزءاً منها لا عليها وضدها. والواضح أن المسألة جدية هذه المرة وأن التنفيذ سيكون قريباً وعندئذ: "سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".بقيت إيران تظن، وبعض الظن إثم، أن هذه الإدارة الجمهورية ستكون مائعة ومترددة وغير حاسمة كالإدارة الديموقراطية السابقة وأن دونالد ترامب، رغم أنه منذ أن جاء إلى البيت الأبيض والشرر يتقادح من عينيه، سيكون نسخة أخرى عن باراك أوباما الذي كان قد أزبد وأرغى في البدايات، لكن الجبل ما لبث أن تمخض فولد فأراً، وثبت أنه لم يكن البيت الأبيض مائعاً ومتردداً ومتواطئاً مع إيران كما كان في عهد الرئيس السابق الذي فتح الأبواب كلها وعبّد الطرق بأسرها لدولة الولي الفقيه، لتصبح مصدر تهديد لهذه المنطقة كلها.
لقد كان بإمكان باراك أوباما أنْ يقطع الطرق كلها أمام الإيرانيين، والمقصود هنا هو أصحاب القرار في طهران لا الشعب الإيراني الصديق والشقيق، ويمنعهم من الوصول إلى الدول التي وصلوا إليها بحراس ثورتهم و"بباسيجهم" وميليشياتهم ودعواتهم المذهبية الهدامة، لكنه لم يفعل شيئاً إما لأن حساباته الخاصة قد تطابقت مع حسابات الحاكمين في طهران، وإما لقناعته بأن هذه الإيران هي الأقوى في هذه المنطقة الشرق أوسطية، وأنها الوحيدة التي قرارها واحد والتي يمكن المراهنة عليها كرقم صعب ورئيسي في المعادلة الإقليمية والدولية. والمعروف هنا أنه لولا تخاذل هذا الرئيس الديمقراطي بعد جريمة استخدام "الكيماوي" من نظام بشار الأسد لكانت هذه الأزمة السورية قد انتهت منذ ذلك الحين.والمهم هنا والخطير أيضاً هو أنَّ أصحاب القرار في طهران بدلاً من أن يأخذوا العبرة من ضربة "الأحواز" الأخيرة ويراجعوا حساباتهم كلها، وبخاصة المتعلقة منها بالأقليات القومية والمذهبية في إيران وبالظلم التاريخي الذي يقع عليها والذي لايزال متواصلاً حتى بعدما وصلت حركة التاريخ إلى نهايات عشرينيات القرن الجديد، القرن الحادي والعشرين، قد مضوا في التحدي والمكابرة، وبدلاً من أن يبادروا إلى معالجة أوضاعهم الداخلية ويصححوا ولو بعض أخطائهم الكثيرة ذهبوا بعيداً وتوعدوا باسم حراس ثورتهم بالرد على ضربة "الأحواز" الموجعة حقاً بإطلاق الصواريخ على الرياض وتل أبيب وأيضاً على أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة.إن على إيران، التي أرادها العرب بعد انتصار ثورتها في عام 1979 أن تكون صديقاً وشقيقاً، لكنها أصرت على أن تكون عدواً وأن تتمدد عسكرياً وأمنياً وسياسياً في العديد من الدول العربية لاستعادة ما تسميه أمجاد "فارس" القديمة، أن تدرك أن هناك واقعاً جديداً في هذه المنطقة، وأن دولة الإمارات العربية والرياض ليستا لقمة سائغة، وأنهما أقوى كثيراً مما تظن، وأن أشقاءهما العرب لن يتخلوا عنهما، وأن الدول الكبرى صاحبة المصالح في هذه المنطقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة ستبادر إلى قطع اليد التي تقترب من مصالحها!
أخر كلام
إيران... تهديدات فارغة!
28-09-2018