سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب سلاح ذو حدين
قسوة العقوبات ضد إيران قد تهبط بالدولار من عليائه
الدور الذي تؤديه العملة الأميركية في النظام المالي الدولي يمثل السبب الرئيسي، الذي يمنع معظم دول العالم من شراء النفط الإيراني، إذ إن تجارة النفط وتسوية مدفوعاته على المستوى الدولي تتم بالدولار، لذلك فإن الكثير من العمليات التجارية الدولية يعتمد عليه، وفي حقيقة الأمر فإن ما يصل إلى 88% من عمليات الصرف الأجنبية تشتمل على الدولار.
كشفت العقوبات الاقتصادية القاسية ضد إيران الدور المؤثر الذي تؤديه وزارة الخزانة الأميركية، الذي تمثل في استجابة معظم دول العالم لمطالبتها بالتوقف عن استيراد النفط الإيراني على الرغم من امتعاض واسع النطاق وتبرم وعدم ارتياح كبير لتنفيذها لهذه السياسة. وعلى الرغم من ذلك نحن في المراحل الأولى القليلة، مما قد يصبح في نهاية المطاف قصة طويلة قد تنتهي بضعف وتآكل قوة الدولار الأميركي.إن الدور الذي تؤديه العملة الأميركية في النظام المالي الدولي يمثل السبب الرئيسي الذي يمنع معظم دول العالم من شراء النفط الإيراني، إذ إن تجارة النفط وتسوية مدفوعاته على المستوى الدولي تتم بالدولار لذلك فإن الكثير من العمليات التجارية الدولية تعتمد عليه، وفي حقيقة الأمر فإن ما يصل إلى 88 في المئة من عمليات الصرف الأجنبية تشتمل على الدولار.والأكثر من ذلك أن لدى الشركات متعددة الجنسيات بالضرورة حجماص ما من العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، لذلك فإن هذه الشركات عندما تواجه خياراً بين القيام بأعمال تجارية مع إيران وبين احتمال خسارة الوصول إلى النظام المالي الأميركي وإلى أسواق الولايات المتحدة يصبح الخيار واضحاً ومباشراً.
وذلك يعني أنه حتى إذا كانت الحكومات الأوروبية، على سبيل المثال، تدعم سياسة استيراد النفط من إيران فإن هيمنة النظام المالي المعتمد على الولايات المتحدة لا يترك لها سوى القليل من الأدوات للقيام بذلك. وجهد صناع السياسة الأوروبيون للحفاظ على علاقات مع إيران وحاولوا إقناعها بالتمسك بشروط الاتفاق النووي لعام 2015 معها – وهي لا تزال ملتزمة به – لكن ذلك لا يعني أن شركات المصافي الأوروبية، وهي شركات خاصة، سوف تجازف بالتعرض الى خطر التعرض للعقوبات الأميركية من خلال الاستمرار في استيراد النفط من إيران. وفي حقيقة الأمر فقد بدأت خطوات خفض قاسية لشراء النفط الإيراني منذ عدة أشهر.ويبدو أن السيادة هي للدولار. لكن تلك ليست نهاية القصة. فسياسة إدارة الرئيس الأميركي ترامب تسهم بعدة طرق في تعاظم التهديد الذي يواجه الدولار، حتى مع صعوبة رؤية ذلك في الوقت الراهن. وبعد كل شيء فقد ازدادت قوة الدولار في هذه السنة كما نما الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بوتيرة أسرع من الدول الصناعية الأخرى، واضطر العالم إلى التقيد بالعقوبات الأميركية على قائمة متزايدة من الدول والكيانات كان أبرزها روسيا وإيران وفنزويلا.وعلى أي حال، فإن السياسة الخارجية الداعية إلى "أميركا أولاً"، والحروب التجارية وطبيعة الرسوم الجمركية المزاجية المفروضة والتوتر عبر الأطلسي والمنافسين الجيوسياسيين الآخرين يشكلون معاً عوامل يمكن أن تفضي إلى هبوط الدولار من عليائه.ويقول البعض من الخبراء، إن الاستخدام الموسع للعقوبات يبرز على شكل العامل الأكثر أهمية الذي قد يقوض في نهاية المطاف هيمنة الدولار. وينطبق ذلك بصورة خاصة على حالة إيران. وكان كيلسي ديفنبورت وهو محلل لدى جمعية الحد من السلاح أبلغ صحيفة واشنطن بوست في شهر أغسطس المنصرم أنه "في حالة إيران تعمل الولايات المتحدة على إلحاق ضرر شديد بها عبر العقوبات بوصفها أداة من أدوات الحكم والتحكم، وقد وضعت الولايات المتحدة الكثير من الدول بين سندان المصاعب ومطرقة العقوبات".
دعوة إلى رفع قيمة اليورو
قبل بضعة أيام، قال رئيس اللجنة الأوروبية جان – كلود يونكر في خطاب له أنه يجب تحسين مركز اليورو ليشكل عملة احتياط دولية أخرى بغية إنهاء اعتماد أوروبا على الدولار. ولاحظ يونكر أن الاتحاد الأوروبي دفع 80 في المئة من مستورداته من الطاقة بالدولار الأميركي على الرغم من أن 2 في المئة فقط من مستورداته منها كان مصدرها من الولايات المتحدة، وأبلغ دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي صحيفة "بوليتيكو" أنه "لا يوجد منطق على الإطلاق في دفع قيمة مستوردات الطاقة بالدولار وليس باليورو".وعلى سبيل المثال، فإن معظم المستوردات بالدولار تأتي في الواقع من روسيا والشرق الأوسط ويرجع ذلك إلى طبيعة الهيمنة الأميركية على النظام المالي الدولي الذي يتعين بموجبه على المصافي الأوروبية، التي تريد شراء نفط من إيران أو العراق أو روسيا دفع قيمته بالدولار وهي تخضع لمطالب أميركية بهذا الخصوص، على الرغم من عدم وجود أي دور لكيان أميركي محدد في هذه العملية. ومن الواضح أنه مادامت المصالح الأوروبية والأميركية مترابطة، فإن تلك الترتيبات كانت تعمل جيداً، لكن مصالحهما اختلفت حالياً تجاه طائفة كبيرة من القضايا، بما في ذلك حلف شمال الأطلسي واتفاقية باريس بشأن المناخ والأكثر أهمية اختلافهما حول مصير الاتفاق النووي مع إيران.القشة الأخيرة
يبدو أن مطالب إدارة ترامب بأن تخفض أوروبا مستورداتها من إيران إلى الصفر كانت القشة الأخيرة، وتدعو بعض الأطراف في بروكسل الآن إلى الخروج من هذه العلاقة التي تربطها بطرف عبر الأطلسي. وكشف عدم قدرة أوروبا على تخطي تأثير العقوبات الأميركية على إيران مدى هيمنة الدولار الأميركي، كما دفعت المسؤولين الأوروبيين إلى البحث عن حلول. واقترح البعض إقامة نظام دفع دولي منافس فيما اقترح شراء النفط الإيراني باليورو. وفي شهر أغسطس أعلن الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات إلى إيران بقيمة 18 مليون يورو.وفي الآونة الأخيرة، بدأ الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إقامة شركة مالية"ذات غرض خاص" من أجل مساعدة إيران على تفادي العقوبات الأميركية والاستمرار في بيع نفطها. وسوف تعمل تلك الشركة في معالجة عمليات مع إيران متخطية القنوات المالية التقليدية، بحسب مجلة "دير شبيغل" الألمانية. وتجدر الإشارة إلى أن للولايات المتحدة درجة كبيرة من التأثير والسيطرة على أنظمة تحويل الأموال القائمة وغمكانية الوصول اليها.ويوجد الكثير من الأسباب وراء عدم قدرة هذه المبادرة على الانطلاق، أو أن تأثيرها سوف يكون محدوداً في كل الأحوال. وعلى سبيل المثال فإن الشركات الخاصة يجب أن توافق على المشاركة ويوجد قدر قليل من الأدلة حتى الآن على رغبة المصافي الأوروبية في مواجهة ذلك الخطر. كما أن محاولة تعزيز مركز اليورو وصولاً إلى مستوى مساو للدولار سوف تكون عملية بالغة الصعوبة وتمثل مشروعاً طويل الأجل.إمكانية التأثير على الدولار
لكن الجهود المتنامية لتعزيز وضع اليورو أو القيام بعمليات مبيعات للنفط بتلك العملة مع مبادرات أخرى متفرقة تهدف إلى إضعاف نفوذ واشنطن المهيمن يمكن أن تؤدي إلى ضعف الدولار بمرور الوقت.وفي غضون ذلك، وفي وقت سابق من هذا العام قامت الصين بعملية تعاقدات نفطية باليوان في شنغهاي، وهدفت تلك الخطوة إلى تعزيز العملة الصينية وخفض خطر الصرف الأجنبي، وفي سياق أوسع، تحقيق تأثير جيوسياسي واقتصادي على حساب الدولار. ويظل الدولار شديد القوة لكن الاستخدام المبالغ به للعقوبات من جانب إدارة الرئيس ترامب، والذي تجلى في حملتها ضد إيران وخفض صادراتها النفطية إلى الصفر، يمكن له أن يقوض الدولار في الأجل الطويل إذا بدأ المزيد من الدول في البحث عن طرق بديلة للالتفاف على تلك العقوبات.