«أوبك»... قليلة الحيلة!
![د. محمد بن عصّام السبيعي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1527781193350968600/1527781229000/1280x960.jpg)
أما ما يخص إنعاش سعر النفط، فباستثناء موجة صعود الأسعار في ستينيات وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي التي جاءت انفعالا على التبدل في علاقات الامتياز وتصحيحها، أكثر منها مجهودا موجها نحو السعر ذاته، فإنه يصعب على المراقب رصد أمثلة جلية لقدرة أوبك الذاتية على التأثير بنجاح على سعر النفط. فأما ما أعقب ذلك، نحو ما حدث في منتصف الثمانينيات وأواخر التسعينيات القرن الماضي ومؤخرا أيضا، فقد جاء ثمرة تضافر جهود بعض أعضاء المنظمة من ذوي الطاقة الإنتاجية الفائضة كما العربية السعودية مع آخرين من خارج المنظمة، كما روسيا. أما دعوة الرئيس الأميركي لأعضاء أوبك لزيادة إنتاجهم فتلك تلفت الانتباه إلى شأن مرونة مستويات الإنتاج وإمكانية النهوض بها. الحق أنه ما خلا استثناءات قليلة فقد كانت سجية أعضاء المنظمة هي الإنتاج عند الطاقة القصوى، مما لا يجدي معه طلب ضخ المزيد من النفط. والجدير بالذكر أن مبتدأ تاريخ نظام حصص "أوبك" كان اعترافاً بمستويات الإنتاج السائدة في حينها كأمر واقع، واعتبارها حصصاً للأعضاء. ولا ريب أن جانباً لا يستهان به من إخفاق نظام الحصص في التأثير على أسعار النفط ولجوء المنظمة إلى التنسيق مع المنتجين الخارجيين يعود إلى تصلب الأعضاء حيال طلب المنظمة الالتزام بنظام حصص تجاوزته مع مرور الوقت طاقات الإنتاج لأسباب تعود إلى اعتمادهم المتزايد على إيرادات مبيع النفط. هنا لا بد أيضا من استثناء كبير منتجي أوبك، أي العربية السعودية، والتي تتمتع بطاقة إنتاجية فائضة تناهز المليون ونصف إلى مليوني برميل يوميا، وبمرونة إنتاجية قائمة على بنية تحتية واسعة من مصادر الإنتاج، تمكنها من التأثير براحة على مستوى المعروض العالمي من النفط. ولقد أبلت المملكة في عقود مضت في توظيف تلك المزية في دعم أسعار النفط المستهدفة من قبل المنظمة، فغني عن البيان انحسار إنتاج العربية السعودية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي إلى حدود 3 ملايين برميل يوميا، رغم طاقتها التي تتجاوز في حينها 10 ملايين برميل، لكن يبدو لي أنه مع بلوغ عرض العالم من النفط 90 مليون برميل يوميا، مقارنة بنحو 62 مليونا عند بداية ثمانينيات القرن الماضي وزيادة نصيب منتجي النفط خارج المنظمة منذ ذلك الحين، لم تعد "أوبك" ممثلة بالعربية السعودية، العضو صاحب الطاقة والمرونة الإنتاجية الفائضة، بقادرة على تأثير فعال وقريب الأمد على سعر النفط، ولذا كان لا محيص في أكثر من مرة كما أشرنا، من التنسيق مع ذوي الطاقات الفائضة من غير منتجي أوبك، لا سيما مع روسيا.حيال طلب الرئيس ترامب تقف أوبك قليلة الحيلة، فإذا أرادت المنظمة تلبية ذلك، رغبة أو رهبة، فلن يتسنى لها الأمر بقدراتها الذاتية فحسب، فهي لا هيمنة لها على معروض النفط، كما أن أعضاءها أحوج ما يكونون إلى إيرادات المبيع، وعليه فليس من طاقات إنتاج عاطلة يمكن استغلالها. لم يبق إذن إلا أن يكف الرئيس عن رسائله لعل سعر النفط يثوب إلى مستوى مريح للسوق كافة.